القول الفصل

القول الفصل

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2013

معايدة من سوريا




هذه المشاهد جميلة ومثيرة وتبعث الأمل والقوّة. ولكن حذار من أن يُستخدم هذا المشهد وكأنه تأكيد على إنسانيّة الضحيّة. ففرافير الهيومن رايتس كثيرًا ما يلقون على الضحيّة مسؤولية أن تثبت إنسانيّتها أثناء موتها. 

يجب أن لا ننسى أن هذا الفرح الذي نشاهده لم يكن ممكنًا في هذه اللحظات لولا وجود أبطال يحملون السلاح ويحمون مداخل هذا الحيّ أو غيره، وهم على الأرجح (يا للهول يا للهول) بلحى طويلة، ويتصدون بشجاعة وجمالٍ ملحميّ لماكنة الدم الأسديّة، ولماكنات قتل ظلاميّة أخرى وليدة النظام والإستعمار في آن واحد.

هذه مشاهد رائعة، وهذا وجه من وجوه الثورة، لكنه ليس الوحيد، فمقاتلي الحريّة بسلاحهم وكوفيّاتهم واختلافاتهم، هم صلب الثورة وانتصارها. إذن، فإن هذا الفيديو ليس موقفًا سياسيًا، بل ربما نعتبره معايدة... 

حر حر حريّة  نحنا بدنا حريّة/غصبن عنّك يا بشّار رح نحصل ع الحريّة 

أي حدا يجيب أي إشي



الفرد ايزنستد - 1932


(في المطبخ)
المعلّم اليهودي: في طاولة برّا، تطلع تشوفها؟
مؤنس: آه بنفع
المعلّم اليهودي: شكرًا
مؤنس: أهلين

(بعد خمس دقائق- عند الطاولة)
هديل:
  إي، شو بتعمل هون؟
مؤنس: (بضحكة خجولة) أهلا بشتغل هون م انا... 
هديل: والله؟ من وينتى؟
مؤنس: أوّل الشهر بديت والله
هديل: طيب حلو كثير، جد حلو، خلصت تعليم؟
مؤنس: اه السنة الماضية والله
هديل: طيّب وإسّا شو؟
مؤنس: شو؟ 
هديل: انه شو إسا عامل؟
مؤنس: بشتغل هون والله
هديل: اه، انه، حلو، وبدكاش تكمّل؟ 
مؤنس: مبلا، يعني السنة الجاي يمكن.. 
هديل: اه.. 
مؤنس: وانت؟
هديل: انا عم بعمل إسا ماجيستير بتل أبيب
مؤنس: والله؟ حلو... تشربي إشي؟ 
هديل: يعني كنت بحب بس بتعرف، مع مراد أنا إسا وفات عنّا ع البيت والأشياء الي كانت بطّل ينفع تـ...مؤنس: قصدي، هون، أجبلك إشي تشربي؟
هديل: (بضحكة خجولة) اه، متأسفة، شكرًا، لا أنا بطلب ولا يهمّك
مؤنس: تطلبي من مين؟ 
هديل: من أي حدا بشتغل هون
مؤنس: م أنا الي بشتغل هون
هديل: اه... صح...
مؤنس: اه... 
هديل: طيّب جيبلي أي إشي... 
مؤنس: ملكشيك؟
هديل: اه بنفع، شكرًا
مؤنس: أهلين

(بعد خمس دقائق- عند الطاولة)
مؤنس: ملكشيك؟
هديل: اه هون، شكرًا
مؤنس: أهلين

(بعد رُبع ساعة - عند الطاولة)
مؤنس: كُلشي تمام؟ بدكو اشي؟ 
هديل: تمام، شكرًا
مؤنس: اهلين...

(بعد خمس دقائق- عند الطاولة)
مؤنس: أهلًا، بتحب تطلب؟
مراد: ملكشيك لو سمحت
مؤنس: ولا يهمك
مراد: شكرًا
مؤنس: أهلين


(بعد ساعة- في المطبخ)
المعلم اليهودي: كُلشي تمام؟
مؤنس: تمام
المعلم اليهودي: بدك إشي؟
مؤنس: تمام
المعلم اليهودي: متأكد؟
مؤنس: تمام، شكرًا
المعلم اليهودي: أهلين




الأحد، 13 أكتوبر 2013

حزام ناسف حول تهليلة



كول ثومبسون 2008

  *التهليلة في نهاية التدوينة هي تهليلة "أغنية على شجرة" وقد ترجمها الصهاينة إلى العبريّة ترجمةً مصهينة غيّرت معناها تمامًا.

أن تستمع إلى تهليلةٍ بالإيديش يعني أن تسبح عميقًا عميقًا، وتنام مطمئنًا في حضن حلمٍ جميلٍ وأنت تعرف أن الكابوس خارجه حقيقي أكثر من أي وقتٍ مضى، وأنت تعرف أنك رُبّما وأنت تحلّق في غفوة السُكّر، في هذه التهليلة الحلوى، رُبّما لن تستيقظ، لأن المغني الآن يفتك بأخوتك في كلّ مكان، ولأن النار تقترب من شراشف سريرك. 

أن تستمع إلى تهليلةٍ بالإيديش يعني أن تسافر في الزمن، إلى مكانٍ كان فيه أعداءك بشرًا، إلى فُسحةٍ من دمار تشاركتم فيها الأسى، قبل أن يتحوّلوا إلى حيوانات مهولة يقطر من أسنانها الدمّ وتَدِكُّ أقدامها البُنيان على إيقاع تهليلةٍ بالإيديش.

أن تستمع إلى تهليلةٍ بالإيديش يعني أن تنام بنصف عين. أن تستمع إلى تهليلةٍ بالإيديش يعني أنهم لم ينتصروا بعد. أن تستمع إلى تهليلةٍ بالإيديش يعني أنك لم تمت بعد. أن تستمع إلى تهليلةٍ بالإيديش يعني أن تتصالح مع شبح النوم وتغطّ به حتى تصل إلى عمق اللحن وتفكك الموت لمواده الأساسيّة:

أن تستمع إلى تهليلةٍ بالإيديش يعني أن تفكّ عن خصرك حزامًا ناسفًا، وتضعه في الهدف، تذهب وتتركه خلفك ينفجر، وتنتصر، وتبقى حيًا.

أن تستمع إلى تهليلةٍ بالإيديش يعني أن تقاتل وتقاتل، بكل مزايا الزلازل، دون أن يموت البشريّ فيك. 

أن تستمع إلى تهليلةٍ بالإيديش، يعني أن تعدك الموسيقى بأن تنتهي من تلقاء نفسها عندما تمرّ دوريّة الجيش، وأن تستيقظ أنت حين تسكت التهليلة، وتطلق النار على حيواناتٍ مهولة يقطر من أسنانها الدم وتدك أقدامها البنيان.



السبت، 12 أكتوبر 2013

غرفة في الذاكرة






لعلّ الأساس في حياتي كلّها، أن لا أسكن بيتًا ولا مكانًا مغلقًا. لعلّ الأساس أن لا أملك أبدًا غرفةً بأربع جدران، لعلّ الأساس أن لا أمتلك ذكرى. فبيني وبين الذكريات علاقةٌ فاترةٌ حدّ التّجاهل والنّفور، بيني وبين المكوث طرد.

والآن: دفترٌ أبيض صغير، علبة ألوانٍ حديديّة زرقاء، ورزمة أوراقٍ زهريّة على شكل قلب حُب، كانت رامة أول ما تعلّمت الكتابة، تكتب لي عليها. والآن: كل الأشياء التي لم أعرها أبدًا أيّ اهتمام. والآن هذا المكان الذي لا يعني لي، الأماكن كلها لا تعني لي، لكني كلما خرجت من مكانٍ صرت حبيسه.

أذكر أن استيقظت، كانوا كلّهم في غرفة الاستقبال، عرفت أن مصيبةً قد حلّت ودخلت أمّي تبكي. الآن، هذا المكان، حبيس، أوراق زهريّة على شكل قلب حب وعلبة ألوانٍ حديديّة، تجاهل ونفور والمكوث طرد. الآن، أنت، الآن أنت يا حبيس الخارج. الآن آرام يدخل من شبّاك الحمّام مثل سوبرمان ويفتح الباب الموصود.

الآن، هذا الخارج يبتلعني من الداخل، هذا الإتساع الذي تصبح فيه أجوفًا مثل الصدى، هذا المدى المغلق، هذا الردى: من أين؟ تسألني الشوارع. ذنب من هذا؟ هذا ليس ذنب أي شخص، هذا ذنبي وحدي، وما الحل؟ ما الطريق؟ الطريق.

هناك أسئلة كثيرة لا تملك إليها إجابة لأنك لم تسألها أبدًا. لكن الذاكرة تملك كلّ شيء، وجميل أن ترفض أن تتذكر، لأنك في حينها ترفض أن تمتلك أي شيء. وما الذي يبقى لديك؟ تبقى الشوارع مثيرة حلوة متعبة، وعلى ظهرك حقيبة سوداء ثقيلة، مثل الدمعة ومثل الغصّة ومثل القصّة ومثل الخوف، وأنت تطير خفيفٌ خفيف، مثل الريشة مثل الأخلاق، مثل القمصان البيض، مثل الذاكرة؛ خفيفًا حزينًا أهبل جثةً تشرب السيفين أب غير مكترثة، تطير ثقيلاً تغط قتيلًا.

وخلص، خلّصت الي بدي أقوله.


باي

الجمعة، 11 أكتوبر 2013

ساعة



كل ساعة بتمرق، بتكون "مرقت ساعة من حياتك". هذا إشي، مثله مثل كثير أشياء بالحياة: إشي مفهوم ضمنًا لأبعد حدود.


هذا الإشي مثلك انت يا رفيق، انت اشي مفهوم ضمنًا. انت اشي مفهوم ضمنًا مثل كثير أشياء مفهومة ضمنًا لأبعد حدود، وبكلمات ثانية، إنت ولا إشي، لأبعد حدود.



انت بتعرف وين بتيجي أبعد حدود؟ أبعد حدود بتيجي بالنقطة الي فيها لما بتمرق ساعة، ببطل يكون "مرقت ساعة من حياتك". بتكون ساعة مرقت، مرقت لحالها، بدون علاقة فيك، مرقت وخلص.



وهاي كمان ساعة مرقت وأنا عم بجرّب (من فراغ) أقول إشي لمدوّنتي. هاي ساعة "مرقت من حياتي"، بحيث إني عم بعمل إشي مفهوم ضمنًا: مفهوم ضمنًا إني عم بحكي بالفراغ.



بس المشكلة اني بعد م كتبت هاي التدوينة نشرتها، رغم إنه مفهوم ضمنًا إنها مش لازم تنتشر، ليش؟ لأنها بالفراغ، لأنها ولا إشي، ولا إشي لأبعد حدود...وإنها تنتشر رغم إنها ولا إشي، فهذا مش إشي مفهوم ضمنًا. 



يمكن عشان هيك، انت عم تقرأ هاي التدوينة، ومرقت ساعة، بلا م "تمرق ساعة من حياتك".


الأحد، 6 أكتوبر 2013

إخلاء



حبيبتي نور، 

أكتب لكِ اليوم رغم أني انقطعت عن الكتابة لفترة طويلة، ورغم أنك لا ترسلين لي أبدًا، أو هكذا على الأقل كنت أظن.

أكتب لك يا حبيبتي رغبةً مني في أن أشير إلى محادثةٍ دارت بيننا في أوّل لقاء لنا، في بداية علاقتنا حين كنت أحبك. وأنا لا زلت أحبكِ، أرجوك لا تفهميني بشكلٍ خاطئ ولا تُغيّري الموضوع. يومها، قُلتِ لي أن والدك المحترم اشترى لكِ بيتًا حين تخرّجتِ من المدرسة، وأن مدير عقاراتكم يهتم بالبيت أما أنت فلا تعرفين عنه غير أن مبلغًا وقدره يدخل إلى حسابك شهريًا من إيجاره. 

أكتب لكِ يا نور لأعلمك أني اكتشفت بالأمس فقط، وبعد سنتين من حُبنا الحلو هذا، بعد أن عشنا أجمل أيّام حياتنا، على حدّ قولك، وبعد أن زُرتني ونمت في سرير بدل المرّة مئة مرّة، وأنت تقولين لوالدك المحترم بأنك تباتين عند كرستينة، أكتب لكِ يا نور لأعلمك أن اكتشفت بالأمس فقط أن البيت الذي استأجره منذ سنتين، إنما هو بيتك. 

الأنكى من ذلك أني عرفت ذلك بعد أن وصلتني رسالة رسميّة بالعبريّة تطالبني بإخلاء البيت في فترة أقصاها خمسة عشر يومًا، وكانت الرسالة موقعة بإسم صاحبة العقار، أي، أنتِ يا حبيبتي. وأنا الذي كنت أظن، أنك لا ترسلين لي أبدًا.

الأنكى من ذلك يا حبيبتي أني لم أشعر في الشهور الثلاثة الأخيرة التي لم أدفع بها الإيجار، أن شيئًا في حياتك قد تغيّر أو نقص أو ساء.

لكن لا بأس.. لا بأس، المهم الآن، بقي لدينا أسبوعين فقط في بيتنا، وعلينا أن نستغل كل لحظة، لكن علاوةً على هذا كلّه، فلن أُحضر الواقيات المطّاطيّة على حسابي بعد الآن. دبّري حالك.

أحبك كثيرًا، وأنتظر منك رسالة أو مكالمة

مسعود

الجمعة، 4 أكتوبر 2013

كمّامة





عزيزتي هند، 

عندما قررنا أن ينتهي كل ما بيننا، اتفقنا أن آخذ الكُتب وتأخذي الإسطوانات، أنا آخذ عُلب الملح والسكّر وأنتِ لك المنضدة البيضاويّة، أنا أحمّل التلفزيون وأنت الحاسوب. كنت أظن أننا اتفقنا على كل شيء، لكننا لم نتحدّث أبدًا عن الكمّامات التي وزّعوها لنا في حرب صدّام. 

لقد أخذتِ كمامتك وكمّامتي دون أن تخبريني، وقد لاحظت ذلك لكن الأمر لم يكن يعني بالنسبة لي أي شيء، كنت أظن أن الكمّامات في البيت أمر هامشيّ ليس له أي أهميّة، مثل المرآة المزيّنة بالصدف المرميّة في المخزن. 

لكنك ترين الوضع، ألا تشاهدين الأخبار؟

كيف سأبدل الآن الكمّامة؟ ذهبت إلى حيث يوزّعون الكمّامات وقالوا لي أني يجب أن أعيد الكمّامة القديمة. أخبرتهم بما حصل فقالوا أنهم سيجدون لي حلًا، طلبوا رقم الهويّة، ثم قالوا لي أنك قد استبدلتِ الكمّامتين وبأن سجلّاتهم تقول أني أملك كمامةً للحربِ القادمة. قالوا: زوجتك أتت وأخذت لك الكمّامة. 

حاولت أن أحكي لهم أن كل ما بيننا انتهى، لكن الموظّف العصبي لم يكن يعنيه قصّة السفر والأقراط وموسيقى الفادو وكل الأمور التي حالت دون أن نموت معًا. 

ماذا سأفعل الآن يا هند، أنت لا تردّين، وترفضين التحدث إليّ، وما الذي سأفعله أنا؟ هل أعطيتيه كمّامتي يا هند؟ هل سيلبس كمّامتي حين تدقّ الحرب القريبة أبوابنا بالصواريخ الكيماويّة؟ عرفت أن الإنسان ليس وفيًا، لكن أحدًا لم يخبرني بأن الكمامة أيضًا لا تكون وفيّة للإنسان الذي تحمل رقم هويّته، وكيف تكون كذلك، ونحن بأنفسنا لسنا أوفياء لرقم الهويّة الذي نحمله؟

يا هند، لقد قُلت فعلاً أني لا أستطيع العيش من دونك، أني سأموت لو ابتعدتِ، لكن لم يكن هذا ما أقصده.

يا هند، إن الحرب تقترب، بدّك نرجع لبعض؟


مع حُبّي، 
مأمون

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

الأطلال



موت مارات II - إدوارد مونك (1907)


تحلّق روائح السواد (تسود) وأبكي كما لم يحزن طير على أقمارنا. الهواء بارد مثل خنزير برّي خرّت قواه عندما انكسرت ملامح الصيف على جلده وفيه، ضيقة فارغة، قتيلة سعيدة، مريضة هزيلة، صمّاء فارهة منتشية.

كل هذه العتمة، من أي تأتي؟ من قصة الهروب؟ من قصة مسافات السفر العارية؟ من قدرة الآلهة على الصبر أم من أسياخ التجربة؟ من سوائل الماضي تسيل؟ أمن الهواء الملعون بهول الطمث يأتي هذا القبس الأسود؟ نور عار تعب سقطة قطّة تذبل في أكياس الخيش الجرداء (هذا دهاء الهرّ الماكر هذا العاهر) هذا دواء غادر، غابر سيف الأمة يطعن خبزًا، غابر يطعن أمًا، يطعن غابر فأرًا تحت الماء.

غابر. أنظر. أصبر. أغرب، جاءنا ملك الغثيان الأسفل، جاء الأُسُّ. بذل البؤسَ كل ما عنده، طال الشمسَ عند حدود الدنيا، زار المرجَ وزار الأكوان الملقاة على فشلي، وعلى فشلي تُلقى وأنا مُلقى في بحر السر: لا يبقى إلا الأفواه، إلا الأفواه، إلا الأفواه، يا أصحاب الأمراض السوداء، أما بقيت إلا الأفواه الموسومة تقتلُ أسماء الناس؟

سيطالنا ما طالكم، سيطالكم ما طالنا، سيطالنا ما طالنا ما طال.
سيزيلنا ما زالكم، سيزيلكم ما زالنا، سيزالنا ما زالنا ما زال.

لن تنطلي القصص علينا. لن تنطلي القصص علينا. لن تنطلي القصص علينا.
زال الطلاء عن القصص. زال الطلاء عن القصص. زال الطلاء عن القصص.
طلّ الزوال من القصص. طلّ الزوالُ من القصص. طل الزوالُ من القصص.

*
كان يا ما كان في قديم الزمان، وفي سالف العصر والأوان: نُحنُ. حملنا الفراشات إلى كل زاويةٍ وسلّم. وأحببنا كما نعرف الحبّ، ورقصنا لأجل الشمس والبحور والألوان وجبل الشيخ المُشمس. وأطلقنا النار في الشوارع بفرحةٍ عارمة حتى قتلنا عشرين ألفًا....

قتلى حلالٌ زلال، دلالٌ يا حبيبتي.
قتلى الزوال
طلل القصص قتلى الزوال:

طلّ الزوال من القصص، طلّ الزوال من القصص. طلّ الزوال من القصص.

زال الطلاء على القصص. زال الطلاء عن القصص. زال الطلاء عن القصص.

لن تنطلي القصص علينا. لن تنطلي القصص علينا. لن تنطلي القصص علينا.


الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

كوم

كل هاي الأشياء الي حواليك يا رفيق
هي مُجرد لُعبة مصارعة عم تنبثّ على شاشة التلفزيون. 
في مذيعة بتعرف إنها كذبة
وفي معلّق بعرف إنها كذبة
وفي مصارع أحول بعرف إنها كذبة 
ومصارع أصلع بعرف إنها كذبة
ومصارع بسطل بعرف إنه كذبة
في جمهور بعرف إنها كذبة 
مئات بعرفوا إنها كذبة
وأبوك وإمك قايلينلك قبل: هاي كذبة
وانت نفسك، عارف إنه كذبة 
بس قاعد
قدّام التلفزيون وعم تستني: شو رح يصير؟ 

هذا كلّه كوم... 
وإنك مصدّق
كوم ثاني. 

*

في إشي واحد مُهم
نسيته، ويمكن لازم أقوله
في دايمًا اداة وحدة من أدوات المطبخ
لما تجلي وتخلص جلي، بتخليها بالمجلى، بتجليهاش 
لسبب ما، ما حدا بعرفه، دايمًا بتضل هاي القطعة لحالها بالمجلى. 
كون متأكد إنه هاي القطعة بالذات، من بين المليون ألف قطعة مطبخ الي بتعرف وبتعرفش شو حاجتهن بالحياة.

هاي هي الي راح تحتاجها بُكرا الصبح وإنت مستعجل تروح ع الشغل. 

هذا كله كوم
وإنك مصدّق المصارعة، وبعدك قاعد قبال التلفزيون. 
كوم ثاني. 

*

في سبب مش معروف لليش أنا عم بكتب
وبنط من سطر لسطر، مع انه هذا مش شعر، ولا هو أصلا أدب
في سبب مش معروف لليش أنا إسا
مش حاسس بولا إشي
غير إنه كل اشي كنت اخاف يصير كمان 30 سنة.. مش راح يصير كمان 30 سنة
لانه عم بصير اليوم. 
بتعرف؟ خلص، كمّل انت وبلحق أنا
جاي، عنجد جاي، بس أسبقني انت
انا شو بقدر أعمل أصلاً غير إني أضل لاحقك؟ 
بقعد بالبيت،
بروح ع الشغل، 
بروّح،
بقعد، 
بجلي الجلي، 
بحضر مصارع، 
وبرتب كوام الأشياء فوق بعضها، بتخربط فيها كلها، دايمًا بتخربط
وبعرفش أرتب إشي.
بالآخر بحطهن كلهن بكوم واحد.
كلهن كوم

وإنه المصارعة خلصت، بدون م أعرف مين ربح، كوم ثاني. 

*
وبالنجاح للجميع. هاي المرة بجد. 






الخميس، 5 سبتمبر 2013

موت بدوي في حرب ليس له



بورتريه ذاتي في مواجهة الموت - بابلو بيكاسو


لم يسأل الرجل كيف تُجبل القصص
لم يسأل الجرفٌ ذاك الرجل عن هويّته
سال وهاج وشُجّت دولة
وروى العطشَ رجلٌ قصّة

يجبل الجرفُ الإسمنت بالمأساة
بالأخبار بالقتلى بذاكرة المدينة.

يجبل الجرف الطين بالمأساة
بالأعمار بالقتلى بصاعين من الأحزان.

الجرف سفّاح القرى
الجرف إرهاب المدائن
الجرفُ جرّارُ الهوائل في الرسائل الملكوت

أو أنه نبع ذبَل؟
أو أنه  نهرٌ أمام السدّ؟ 
أو أنه شُربة ماءٍ يختنق فيها 
رجل صحراوي جاف:

وانقطعت ريحٌ طيّارة
والرئة تعبّت مستنقع

"جرفٌ جرفٌ" غنّى الأطفال
رقصوا حول القبر البدويّ


"جرفٌ جرفٌ" يروي الدجّال
حكواتي قرن الحوسبة


"نفسٌ نفسٌ" قال الجرفُ
يسبح أطفالُ المجزرة
يفرح موتٌ
يفرح ميّت
يفرح قاتل

هذا نزيفٌ داخل رأسٍ
سال وسال وسال الجرفُ
واعتمدت جهةُ التحقيق
شاهدَ أصل أبيه غيمة
وهكذا  دُفنَ بالأرقام الرجلُ

جرفًا قد كبر الأطفال
جرفًا رفعوا سقف البيت
جرفًا حفروا وجدوا بئرًا
جرَفوا لاقوا جثة زلال

شربوا اقتربوا 
رفعوا الرأس
شكروا الغيمة 

جرفٌ جفّ
جرفٌ زال
كبروا ظلّوا
شربوا اقتربوا
رفعوا الرأس
شكروا الغيمة

جرفٌ داخل رأسٍ سال

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

«رنا»... إن كان لا بُد من ذلك



إيما هاك


لا تُريد رنا كل هذه الحرب.
 تُريد رنا أن تتزوّج مثل كل أخواتها، وقد ألقت الشرط على عريسها بأنها لن تسكن إلا في بيتها الخاص، لا فوق أهله ولا تحت أهله، وتريد رنا أن ترى نهايةً لهذه الحرب. رنا لا تطيق العيش مع حماتها في الملجأ.

*
وتُريد رنا أن تنتهي هذه الحرب، أن تنتهي وكفى، ربما يعود مأذون القرية سالمًا من واجب الجهاد.

*
تُريد رنا أن تنتهي الحرب سريعًا، ليعود من بيروت جارهم الذي باع كل ما لديه ليشتري سيارة فخمة لطالما حلمت رنا بها مزينةً بالورود.


*
تود رنا لو أنها تتزوّج مثل كلّ أخواتها. تُود لو يُطلق الرصاص يوم عُرسها بالهواء، وأن يكون ذلك حدثًا كبيرًا في القرية.

*
تريد رنا أن تنتهي الحرب، أن يكون الدم في "ليلتها الأولى" التي عاشت تحلم بها، بداية حياة زوجيّة. تريد رنا دمها مميزًا فرِحًا، دم يبدأ، لا دمٌ يُنهي. دمُ العرسِ لا الفاجعة.

*
تُريد رنا أن تنتهي الحرب اللعينة هذه، وأن تعود الأمور إلى ما كانت عليه. يُزعجها بُخل عريسها (أو تبذيره) وتُريد أن "تحرد" في بيت أبيها الذي دُمّر كاملةً في هجوم "ناجح" بشّرت به قناة "الدنيا".

*
تريد رنا أن تعيش حياة عاديّة، لا يعتقد أحد (غيرها) بأنها مميزة أو استثنائيّة. تريد أن تعيش مثل الجميع، وأن تعتقد (مثلما يعتقد الجميع) بأن حياتها تختلف عن حياة الجميع.

*
تقف رنا أمام المرآة، تمسح عن وجهها بالقطن ومزيل الماكياج صور امرأة غيرها، صور امرأة لها قصة مركّبة بوسعها أن تحمل فيلما روائيا طويلا.

*
تُريد رنا لهذه الحرب أن تنتهي، ولهذا الموت أن ينتهي.
حين تمسح وجهها أمام المرآة، تعترف رنا للمرآة أنها لا ترى للحرب آخر وتعترف بأن الموت، على ما يبدو، لا بدّ منه.  
*
تقول رنا وهي تقرّب تفاصيل وجهها إلى المرآة بأنها لا تريد الموت بالقصف والتفجير. تقول رنا وهي تبعد تضاريس صدرها وخصرها الممتلئ من المرآة بأنها لا تريد دمًا ولا أشلاء.

*
تقول رنا أنها تتمنى، إن كان لا بدّ من ذلك، أن تموت في هجومٍ بالسلاح الكيماويّ، لتبقى بشرتها قرب المرآة نضرةً، ليبقى جسدها، بعيدًا عن المرآة، مصقولًا. 

 تقول رنا.

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

شركة حياتي







بتعرف هاي قصّة إنه الواحد بحسّش بالحُب غير لمّا يفقده؟ إنه بكون الإشي معك وعايشين مع بعض وهيك والحياة عاديّة، شوي مملة، ويعني إنه مفهوم ضمنًا إنكو مع بعض وهيك؟ وفجأة، بس يصير إشي وتتركوا بعض، فجأة برجع كلشي من الأوّل، بترجع إنت أهم إشي بالعالم بالنسبة إلها، بترجع إنت الله، وإنه بتقدرش تعيش بدونك؟ وكل هذا الموضوع؟ وشوف بشتغل الإشي، دايمًا بشتغل الإشي، دايمًا بترجع بتفهم إنه هيك ودايمًا برجع بشتغل عليك من الأوّل. 

إسا بصراحة، صح كل هذا الموضوع شوي بشبه إنّك تغيّر شركة تلفون؟ بحكي جد. من فترة نقلت من شركة "بيليفون" على شركة "سلكوم"، إنه صارلي سنين في "بيليفون"، يعني عنجد سنين وكنت أدفع غالي.. انتبه للمصطلحات.. "أنت أغلى بالدنيا"... 


وعنجد مرقنا مع بعض كثير، أنا وبيليفون، إنه كبرنا مع بعض، فعلاً كبرنا مع بعض حرفيًا، يعني انا كنت في بيليفون من الجيل الأول 1G وكمّلنا مع بعض لـ 3G... أنا كنت مع بيليفون بأحلى لحظات حياتنا، كنت مع بيليفون لما أوّل مرة صار في SIM card بتلفوناتهن... أنا كنت  مع بيليفون وقت أول شاشة ملوّنة... أنا جبت آيفون وأنا في بيليفون... 

كلشي حلو بحياتي صار وأنا مع بيليفون...


بس شو؟ خلص.. 

كلشي انتهى.. 

كل هاي السنين وكلشي صار مفهوم ضمنًا، صار مفهوم ضمنًا إني بدفع 60 أغورة ع دقيقة الحكي لما كل الناس بتحكي قد مبدها وببلاش. الناس بتوخد حملات، تنزيلات، صفقات، 10000 دقيقة ببلاش، 400000 رسالة نصية ببلاش، كلشي، وأنا ولا إشي، أنا مفهوم ضمنًا، أنا كل الوقت كنت وكل الوقت راح أضل، إنه خلص، كأنه فش حاجة تغريني، كأنه فش حاجة تكوني حلوة واحنا مع بعض، فش حاجة تنزّلي الشعر.. متأسف قصدي السعر.. السعر قصدي... 



بتعرف هاي لما تتركو أنت وحبيبتك، وهي تكمل تجرّب تحكي معك، ترجّع الإشي؟ المشكلة الأساسية بهاي المرحلة إنها بتضلك تتعامل معك على إنّك بعد معها، بعدها بتقلك "حبيبي"، بعدها بتحكي معك بنفس المصطلحات الي كانت تناديك فيها وإنتو مع بعض.. هيك نفس الشي شركة التلفونات. بس نقلت على سلكوم رن التلفون، عرفت إنه بيليفون مرديتش، خفت. بعد شوي بتوصلني مسج: "زبوننا الغالي..." 

بتعرفي وينتى آخر مرّة قلتيلي "غالي"؟ فجأة إسا صرت غالي.. "زبوننا الغالي!" يا الله الدراما.. غالي! ونفس الشي، انه ليش بتتعامل معي الشركة على إني بعدني زبون؟ يعني شو عم بتحاولوا تعملوا؟ شو الهدف؟


يمكن أنا بعترف إنه طريقتي كانت غلط، بعرف... 

بعرف انه كنت لازم آجي ونقعد ونحكي، مكنش لازم أخلي مندوب من سلكوم هو الي يتصل بـ"بيليفون" وأعطيه توكيل يقطع الخط وينقلني على سلكوم.. بعرف انه هذا مش أسلوب، انه مش هيك بنهوا الأشياء. 

بس من ناحية ثانية عنجد مكنتش راح أقدر أقعد قدامك وأحكي، بعرف إني كنت راح أرجع زي الولد الصغير، بعرف إنه بلحظة واحدة كنتي راح تعرضي عليّ أكثر أشياء حلوة ومغرية الي تخلّيني أضل.. وبعدين؟ منرجع لنفس المحل أنا بعرف. أنا مكنتش بقدر أقلك بوجهك إنه بدي أروح... مكنتش بقدر


وبتصير الشركة تتصل، تتصل، تتصل، كل يوم، كل ساعة، وانت بترُدّش... 

أحلى إشي لما أول مرة اتصلوا من الشركة واضطريت اقلهن انه نقلت لأنه فتنا بسلكوم بحملة خاصة لكل تلفونات العيلة... كان إشي زيّ: "أهلي مش قابلين..." و "يا إنت يا عيلتي"... انت فاهم الفلم؟ 

وبتفكر بحنّش؟ مبلا، بحنّ... 

في كثير أشياء بتتغيّر... 
سرعة الإنترنت... فش زي سرعة الإنترنت في بيليفون.. فش
من م نقلت من بيليفون مربحتش دق fun run واحد يا زلمة... 
بس بتعرف، لكلشي في حسنات وسيئات... هاي الحياة


يا ريت يبطّلوا يتصلوا من بيليفون... خلص، فش إشي ممكن يرجع، كلشي انتهى
عن جد خلص. يمكن هذا الوقت نواجه الحقيقة، نتمنى الخير لبعض، وخلص.. هذا كله البكا والمراضاة والدراما وتذكّر الأيام الحلوة، هذا بطل يفيد.. جد بطل يفيد.

بالنهاية المشكلة، إنه إسا بعدنا بتذكّر الأيام الحلوة والبكا.. إسا بعدنا بإنه "حبيبي، خلينا نرجع، اعطي الإشي كمان فرصة، وحياتك..." 


بس وين... فكرك الأشياء بتطوّل هيك؟ 


بكرا بتحسّ الشركة إنك خلص، رحت وبطلت ترجع، وإنك مع هذيك "العاااااااهرررررة"... وإنه خلص، فش مجال... وبتبدا الحرب... يا ويلي يا ويلي يا ويلي... 


بكرا بتبدا تطلعلك قصص، وتخلقلك مشاكل. بكرا فجأة ما بتحسّ، ولا طلّعولك ديون لازم تدفعها للشركة على أبصر أنو تأمين لأنو سامسونج من شي ألف سنة... وبيلاقولك أربعتلاف شيكل لازم تدفعهن، ومحاميّة، ومش محاميّة...شركة حياتك هاي.. شركة حياتك أبو شريك. بتفكر راح تتركك الشركة بحالك؟ 


شو.. مجنون؟

حُب هاد، انت بتعرف الحُب؟ انت عارف قبل معنى الحُب ايه؟ 



السبت، 31 أغسطس 2013

حبيبتي كورداي




نجمة من دم
أشعلت ذات ليل رماد يديه
فأقعى حزينا، على باب خيمته
وأستحال إلى محرقه
عرفته السماوات ذات العيون
المغطاة بالثلج
والأرض حارسة الموت والعتمة المطلقة
عرفته سقوف الخرافات
والصلوات الكئيبة
والصور المرهقة
صنعوه كما صنعوا غيره
هدموه، ويبنونه في غد
ربما أستنسخوا مثله

ربما أستنسخوه..
ولكنهم الآن، في حفل قداسهم

ينحتون له خشب المشنقة



القصيدة: "قداس أفريقي لروح الشيطان" لمُحمّد الفيتوري
اللوحة: "موت مارات" لجاك لوي دافيد

الخميس، 29 أغسطس 2013

عن فراشة ميّتة


رأيت عند الرصيف فريقًا من نحو ثلاثين نملة يرفع فراشةً ميّتة. كانت فراشة مثل الفراشات التي نراها في برامج الأطفال؛ صفراء ذات خطوط سوداء، ألوانها حادّة وواضحة كألوان السهول والنهر والهضاب. 

لا أعرف كيف ماتت هذه الفراشة، لكنّي شعرت بالحقد الكبيراتجاه هذا النمل، ها هم أمامي جزءًا من جريمةٍ نكراء؛ يا الله، كيف يقتلون هذه الزهرة الطائرة؟ 

بالحقيقة، لا نعرف كيف ماتت الفراشة، نعرف أننا نرى سربًا من الحشرات الصغيرة السوداء يحمل جثّة مخلوقٍ جميل. سربٌ سيحتفل الآن بأكل جثةٍ بريئةٍ نيّئة. 

هل هنالك جثّة بريئة وجثة غير بريئة؟ 
هل تتحمل الجثة أطباع النفس التي كانت تسكنها حتّى بعد الموت؟ 

هل يختلف بالنسبة للنباتيين أكل اللحم النيئ عن أكل اللحم المشوي؟

وهل يُمكنني أصلاً، أن آكل جناح فراشةٍ وأبقى نباتيًا؟
حسنًا، هل يُمكنني ذلك رغم أني لست نباتيًا على كل الأحوال؟ 


*

هذا العمل للفنان البريطاني المعاصر داميان هيرست،
 وهو عمل مكون من 9000 فراشة ميتة. جميل؟
هذا النمل الأسود، غير فريد الشكل، هو حشرة صنعوا لها مادة كيماويّة مخصصة لإبادتها. هذا النمل الأسود اللا شيء كل ذنبه أنه خرج ليأكل، فوجد نفسه أمام فراشة هامدة، أما فراشة ميّتة مثل سهلٍ محروقٍ ونهرٍ مُسممّ ومُدنٍ تحترق وقرى تُدمّر وهِضاب تُقصف بالطائرات. نملٌ خرج ليأكل، فوجد افراشة جثة. 

في البيت، على الشاشة، مشاهد لثوّار قرى دمشق، يحملون على أكتافهم وطنًا مدمرًا، يحاولون اجتياز شارعٍ سريع، وعلى أكتافهم فراشة ملونة ميتة يحاولون نقلها إلى مكانٍ آمنٍ، تكفّنها أخبار الفضائيّات.

في البدء شعرت بحقدٍ كبير اتجاه النمل، يحملون الدمار كأنهم جزءًا من الجريمة النكراء. 
لكننا، وبالحقيقة، نعرف تمامًا
كيف ماتت الفراشة
ومن الذي قتلها.  

*

أحد الأمور التي قلّما تتحدث عنها بحوث الفنون الجميلة، هو غياب الفراشات عن وجه الفنون التشكيليّة الغربيّة. ابحثوا، ستواجهكم صعوبة في أن تجدوا أثرًا للفراشات خاصةً في الأعمال التي نالت حصةً من الشهرة. 

الصبي وشبكة صيد الفراشات - هنري ماتيس
قوّاد الفنون الاستشراقيّة، المُستعمِر الفرنسي هنري ماتيس، لديه لوحة اسمها "صبي وشبكة صيد الفراشات"، في هذه اللوحة يرسم ماتيس طفل أبيض بملابس مهندمة يحمل شبكةً لصيد الفراشات. هذا الصبيّ المرسوم ذات الملامح الجادّة الحادّة اسمه بالحقيقة آلان شطاين، وهو ابن أخ (أو أخت) الكاتبة والناقدة الفنيّة الشهيرة جرتارد شطاين. 

جرتارد شطاين هذه كانت أمريكيّة تعيش في باريس. بداية حتى منتصف أربعينيّات القرن العشرين، كانت شطاين تجمع تواقيع كتّاب وفنّانين لمنح أدولف هتلر جائزة نوبل للسلام، وكان ذلك جزء بسيط من خدمات جرتارد شطاين لحكومة فيشي النازيّة في فرنسا. 

في اللوحة، يرفع آلان شبكة صيد الفراشات بثيابه شبه العسكريّة، إلا أن اللوحة لا تُظهر أيّ فراشة. 

هل عرفتم من يقتل الفراشات؟

في سياقٍ مختلف، "عصابة شطيرن" هو الإسم الذي نطلقه نحن الفلسطينيون على منظمة الـ לח"י (ليحي)، وهي واحدة من المنظمات الأقذر والأكثر دمويّة من العصابات التي شنّت مجزرتها علينا في العام 1948. والإسم يعود لقصائد العصابة الأوّل، يائير شطيرن. 

وفي سياق مختلف، المُستعمِرون لا يحبّون الفراشات.  

*

ما قيمة الفراش والهضاب والأشجار والطيور النادرة، ما قيمة المدن العريقة والجمال، ما قيمة حدّة الألوان والبحر والنهر واتساع السهول، إن لم تُطعِمَ أم ابنتها بكرامة؟ إن وطن المجرمين وطن ساكن ثابت - صورة لا تتغيّر للسياحة- بينما وطن البسطاء على امتداد التاريخ، ليس صورةً بل هو فعل، ليس جمودًا إنما هو حركة. إن وطن الناس السود الزاحفين من أجل لقمتهم، أولائك الذين يُبادون الآن بالكيماويّات، هو الوطن الذي نحمله كلما قُتل ودمّر، نرفعه على أكتافنا وسواعدنا وحياتنا، ونأكل من ثناياه ونُطعم أطفالنا. إن الوطن لا يعيش حقًا، إن مات أولاده جوعًا.

*

يُذكر أن حكومة فيشي لم تكن أبدًا طفلةً أمريكيّة مدللة.