القول الفصل

القول الفصل

السبت، 10 سبتمبر 2016

البحر والشجرة


تُحبّ الأشجار حيفا: تشعر أنّها تريد أن تظلّ فيها، أنها تختبئ أحيانًا لئلا تخرج منها، وأن شيئًا لا يضمن لها أن تبقى إلى الأبد - بالنهاية، هذه ليست غابات الأمازون، هذه مدينة. الأشجار هنا غير مطمئنّة، وهو ما يدفعها لتبدو أقرب إلى هيئة الإنسان؛ أنّها خائفة. 

*
تطفو عكّا،
 بالنسبة لنا، فوق سطح البحر؛ مثلها مثل أي سفينةٍ تجاريّة تضيء هناك. إن عكّا بالنسبة لنا ليست أكثر من باخرةٍ تقف منذ أربعة آلاف سنة، يعتقد الناس فيها أن يوم القيامة سيأتي حين تبزغ حيفا من الشمال. 

*
إن العالم الذي أحاول أن أبنيه، يُشبه البحر في الليل إلى حدٍّ بعيد؛ أسود، ناعمًا، ويبدو من بعيدٍ مثل الفراغ. تتمرّى على وجهه أضواء السفنِ والمدنِ، فتبدو لنفسها مرتجفةً، خائفةً، مشتّتةً، فاقدةً للحدّةِ. وأحاول، ابتداءً هذا العالم، ان أجيب على واحد من الأسئلة التي تشغلني: "ما الذي فكّر فيه الله عندما قرّر أن يخلقني على جبلٍ أمامه بحر؟" وسؤال آخر: "كم من الوقت يُمكن لمشط شعر جدّتي الخشبيّ أن يطفو على وجه الماء؟ وهل يُمكن لموجةٍ أو عاصفةٍ أن تُحطّم سنًا واحدًا منه فقط، مثلما تفعل خصلة واحدة عنيدة من شعرها؟" 

*
تبدو جدّتي بالنسبة لي الآن، مثل شجرةٍ تضرب جذورها في قاع البحر، وتنبتُ فيه إلى أن تتعدّى سطحه، ويشبّ جذعها صلبًا وسط زرقةٍ أبديّة، وسط المُحيط المترامي عند الظهيرة؛ وحيدةً فارعةً، يانعةً، مزهرةً، خضراء ومظلِّلَة.