القول الفصل

القول الفصل

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

الأطلال



موت مارات II - إدوارد مونك (1907)


تحلّق روائح السواد (تسود) وأبكي كما لم يحزن طير على أقمارنا. الهواء بارد مثل خنزير برّي خرّت قواه عندما انكسرت ملامح الصيف على جلده وفيه، ضيقة فارغة، قتيلة سعيدة، مريضة هزيلة، صمّاء فارهة منتشية.

كل هذه العتمة، من أي تأتي؟ من قصة الهروب؟ من قصة مسافات السفر العارية؟ من قدرة الآلهة على الصبر أم من أسياخ التجربة؟ من سوائل الماضي تسيل؟ أمن الهواء الملعون بهول الطمث يأتي هذا القبس الأسود؟ نور عار تعب سقطة قطّة تذبل في أكياس الخيش الجرداء (هذا دهاء الهرّ الماكر هذا العاهر) هذا دواء غادر، غابر سيف الأمة يطعن خبزًا، غابر يطعن أمًا، يطعن غابر فأرًا تحت الماء.

غابر. أنظر. أصبر. أغرب، جاءنا ملك الغثيان الأسفل، جاء الأُسُّ. بذل البؤسَ كل ما عنده، طال الشمسَ عند حدود الدنيا، زار المرجَ وزار الأكوان الملقاة على فشلي، وعلى فشلي تُلقى وأنا مُلقى في بحر السر: لا يبقى إلا الأفواه، إلا الأفواه، إلا الأفواه، يا أصحاب الأمراض السوداء، أما بقيت إلا الأفواه الموسومة تقتلُ أسماء الناس؟

سيطالنا ما طالكم، سيطالكم ما طالنا، سيطالنا ما طالنا ما طال.
سيزيلنا ما زالكم، سيزيلكم ما زالنا، سيزالنا ما زالنا ما زال.

لن تنطلي القصص علينا. لن تنطلي القصص علينا. لن تنطلي القصص علينا.
زال الطلاء عن القصص. زال الطلاء عن القصص. زال الطلاء عن القصص.
طلّ الزوال من القصص. طلّ الزوالُ من القصص. طل الزوالُ من القصص.

*
كان يا ما كان في قديم الزمان، وفي سالف العصر والأوان: نُحنُ. حملنا الفراشات إلى كل زاويةٍ وسلّم. وأحببنا كما نعرف الحبّ، ورقصنا لأجل الشمس والبحور والألوان وجبل الشيخ المُشمس. وأطلقنا النار في الشوارع بفرحةٍ عارمة حتى قتلنا عشرين ألفًا....

قتلى حلالٌ زلال، دلالٌ يا حبيبتي.
قتلى الزوال
طلل القصص قتلى الزوال:

طلّ الزوال من القصص، طلّ الزوال من القصص. طلّ الزوال من القصص.

زال الطلاء على القصص. زال الطلاء عن القصص. زال الطلاء عن القصص.

لن تنطلي القصص علينا. لن تنطلي القصص علينا. لن تنطلي القصص علينا.


الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

كوم

كل هاي الأشياء الي حواليك يا رفيق
هي مُجرد لُعبة مصارعة عم تنبثّ على شاشة التلفزيون. 
في مذيعة بتعرف إنها كذبة
وفي معلّق بعرف إنها كذبة
وفي مصارع أحول بعرف إنها كذبة 
ومصارع أصلع بعرف إنها كذبة
ومصارع بسطل بعرف إنه كذبة
في جمهور بعرف إنها كذبة 
مئات بعرفوا إنها كذبة
وأبوك وإمك قايلينلك قبل: هاي كذبة
وانت نفسك، عارف إنه كذبة 
بس قاعد
قدّام التلفزيون وعم تستني: شو رح يصير؟ 

هذا كلّه كوم... 
وإنك مصدّق
كوم ثاني. 

*

في إشي واحد مُهم
نسيته، ويمكن لازم أقوله
في دايمًا اداة وحدة من أدوات المطبخ
لما تجلي وتخلص جلي، بتخليها بالمجلى، بتجليهاش 
لسبب ما، ما حدا بعرفه، دايمًا بتضل هاي القطعة لحالها بالمجلى. 
كون متأكد إنه هاي القطعة بالذات، من بين المليون ألف قطعة مطبخ الي بتعرف وبتعرفش شو حاجتهن بالحياة.

هاي هي الي راح تحتاجها بُكرا الصبح وإنت مستعجل تروح ع الشغل. 

هذا كله كوم
وإنك مصدّق المصارعة، وبعدك قاعد قبال التلفزيون. 
كوم ثاني. 

*

في سبب مش معروف لليش أنا عم بكتب
وبنط من سطر لسطر، مع انه هذا مش شعر، ولا هو أصلا أدب
في سبب مش معروف لليش أنا إسا
مش حاسس بولا إشي
غير إنه كل اشي كنت اخاف يصير كمان 30 سنة.. مش راح يصير كمان 30 سنة
لانه عم بصير اليوم. 
بتعرف؟ خلص، كمّل انت وبلحق أنا
جاي، عنجد جاي، بس أسبقني انت
انا شو بقدر أعمل أصلاً غير إني أضل لاحقك؟ 
بقعد بالبيت،
بروح ع الشغل، 
بروّح،
بقعد، 
بجلي الجلي، 
بحضر مصارع، 
وبرتب كوام الأشياء فوق بعضها، بتخربط فيها كلها، دايمًا بتخربط
وبعرفش أرتب إشي.
بالآخر بحطهن كلهن بكوم واحد.
كلهن كوم

وإنه المصارعة خلصت، بدون م أعرف مين ربح، كوم ثاني. 

*
وبالنجاح للجميع. هاي المرة بجد. 






الخميس، 5 سبتمبر 2013

موت بدوي في حرب ليس له



بورتريه ذاتي في مواجهة الموت - بابلو بيكاسو


لم يسأل الرجل كيف تُجبل القصص
لم يسأل الجرفٌ ذاك الرجل عن هويّته
سال وهاج وشُجّت دولة
وروى العطشَ رجلٌ قصّة

يجبل الجرفُ الإسمنت بالمأساة
بالأخبار بالقتلى بذاكرة المدينة.

يجبل الجرف الطين بالمأساة
بالأعمار بالقتلى بصاعين من الأحزان.

الجرف سفّاح القرى
الجرف إرهاب المدائن
الجرفُ جرّارُ الهوائل في الرسائل الملكوت

أو أنه نبع ذبَل؟
أو أنه  نهرٌ أمام السدّ؟ 
أو أنه شُربة ماءٍ يختنق فيها 
رجل صحراوي جاف:

وانقطعت ريحٌ طيّارة
والرئة تعبّت مستنقع

"جرفٌ جرفٌ" غنّى الأطفال
رقصوا حول القبر البدويّ


"جرفٌ جرفٌ" يروي الدجّال
حكواتي قرن الحوسبة


"نفسٌ نفسٌ" قال الجرفُ
يسبح أطفالُ المجزرة
يفرح موتٌ
يفرح ميّت
يفرح قاتل

هذا نزيفٌ داخل رأسٍ
سال وسال وسال الجرفُ
واعتمدت جهةُ التحقيق
شاهدَ أصل أبيه غيمة
وهكذا  دُفنَ بالأرقام الرجلُ

جرفًا قد كبر الأطفال
جرفًا رفعوا سقف البيت
جرفًا حفروا وجدوا بئرًا
جرَفوا لاقوا جثة زلال

شربوا اقتربوا 
رفعوا الرأس
شكروا الغيمة 

جرفٌ جفّ
جرفٌ زال
كبروا ظلّوا
شربوا اقتربوا
رفعوا الرأس
شكروا الغيمة

جرفٌ داخل رأسٍ سال

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

«رنا»... إن كان لا بُد من ذلك



إيما هاك


لا تُريد رنا كل هذه الحرب.
 تُريد رنا أن تتزوّج مثل كل أخواتها، وقد ألقت الشرط على عريسها بأنها لن تسكن إلا في بيتها الخاص، لا فوق أهله ولا تحت أهله، وتريد رنا أن ترى نهايةً لهذه الحرب. رنا لا تطيق العيش مع حماتها في الملجأ.

*
وتُريد رنا أن تنتهي هذه الحرب، أن تنتهي وكفى، ربما يعود مأذون القرية سالمًا من واجب الجهاد.

*
تُريد رنا أن تنتهي الحرب سريعًا، ليعود من بيروت جارهم الذي باع كل ما لديه ليشتري سيارة فخمة لطالما حلمت رنا بها مزينةً بالورود.


*
تود رنا لو أنها تتزوّج مثل كلّ أخواتها. تُود لو يُطلق الرصاص يوم عُرسها بالهواء، وأن يكون ذلك حدثًا كبيرًا في القرية.

*
تريد رنا أن تنتهي الحرب، أن يكون الدم في "ليلتها الأولى" التي عاشت تحلم بها، بداية حياة زوجيّة. تريد رنا دمها مميزًا فرِحًا، دم يبدأ، لا دمٌ يُنهي. دمُ العرسِ لا الفاجعة.

*
تُريد رنا أن تنتهي الحرب اللعينة هذه، وأن تعود الأمور إلى ما كانت عليه. يُزعجها بُخل عريسها (أو تبذيره) وتُريد أن "تحرد" في بيت أبيها الذي دُمّر كاملةً في هجوم "ناجح" بشّرت به قناة "الدنيا".

*
تريد رنا أن تعيش حياة عاديّة، لا يعتقد أحد (غيرها) بأنها مميزة أو استثنائيّة. تريد أن تعيش مثل الجميع، وأن تعتقد (مثلما يعتقد الجميع) بأن حياتها تختلف عن حياة الجميع.

*
تقف رنا أمام المرآة، تمسح عن وجهها بالقطن ومزيل الماكياج صور امرأة غيرها، صور امرأة لها قصة مركّبة بوسعها أن تحمل فيلما روائيا طويلا.

*
تُريد رنا لهذه الحرب أن تنتهي، ولهذا الموت أن ينتهي.
حين تمسح وجهها أمام المرآة، تعترف رنا للمرآة أنها لا ترى للحرب آخر وتعترف بأن الموت، على ما يبدو، لا بدّ منه.  
*
تقول رنا وهي تقرّب تفاصيل وجهها إلى المرآة بأنها لا تريد الموت بالقصف والتفجير. تقول رنا وهي تبعد تضاريس صدرها وخصرها الممتلئ من المرآة بأنها لا تريد دمًا ولا أشلاء.

*
تقول رنا أنها تتمنى، إن كان لا بدّ من ذلك، أن تموت في هجومٍ بالسلاح الكيماويّ، لتبقى بشرتها قرب المرآة نضرةً، ليبقى جسدها، بعيدًا عن المرآة، مصقولًا. 

 تقول رنا.

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

شركة حياتي







بتعرف هاي قصّة إنه الواحد بحسّش بالحُب غير لمّا يفقده؟ إنه بكون الإشي معك وعايشين مع بعض وهيك والحياة عاديّة، شوي مملة، ويعني إنه مفهوم ضمنًا إنكو مع بعض وهيك؟ وفجأة، بس يصير إشي وتتركوا بعض، فجأة برجع كلشي من الأوّل، بترجع إنت أهم إشي بالعالم بالنسبة إلها، بترجع إنت الله، وإنه بتقدرش تعيش بدونك؟ وكل هذا الموضوع؟ وشوف بشتغل الإشي، دايمًا بشتغل الإشي، دايمًا بترجع بتفهم إنه هيك ودايمًا برجع بشتغل عليك من الأوّل. 

إسا بصراحة، صح كل هذا الموضوع شوي بشبه إنّك تغيّر شركة تلفون؟ بحكي جد. من فترة نقلت من شركة "بيليفون" على شركة "سلكوم"، إنه صارلي سنين في "بيليفون"، يعني عنجد سنين وكنت أدفع غالي.. انتبه للمصطلحات.. "أنت أغلى بالدنيا"... 


وعنجد مرقنا مع بعض كثير، أنا وبيليفون، إنه كبرنا مع بعض، فعلاً كبرنا مع بعض حرفيًا، يعني انا كنت في بيليفون من الجيل الأول 1G وكمّلنا مع بعض لـ 3G... أنا كنت مع بيليفون بأحلى لحظات حياتنا، كنت مع بيليفون لما أوّل مرة صار في SIM card بتلفوناتهن... أنا كنت  مع بيليفون وقت أول شاشة ملوّنة... أنا جبت آيفون وأنا في بيليفون... 

كلشي حلو بحياتي صار وأنا مع بيليفون...


بس شو؟ خلص.. 

كلشي انتهى.. 

كل هاي السنين وكلشي صار مفهوم ضمنًا، صار مفهوم ضمنًا إني بدفع 60 أغورة ع دقيقة الحكي لما كل الناس بتحكي قد مبدها وببلاش. الناس بتوخد حملات، تنزيلات، صفقات، 10000 دقيقة ببلاش، 400000 رسالة نصية ببلاش، كلشي، وأنا ولا إشي، أنا مفهوم ضمنًا، أنا كل الوقت كنت وكل الوقت راح أضل، إنه خلص، كأنه فش حاجة تغريني، كأنه فش حاجة تكوني حلوة واحنا مع بعض، فش حاجة تنزّلي الشعر.. متأسف قصدي السعر.. السعر قصدي... 



بتعرف هاي لما تتركو أنت وحبيبتك، وهي تكمل تجرّب تحكي معك، ترجّع الإشي؟ المشكلة الأساسية بهاي المرحلة إنها بتضلك تتعامل معك على إنّك بعد معها، بعدها بتقلك "حبيبي"، بعدها بتحكي معك بنفس المصطلحات الي كانت تناديك فيها وإنتو مع بعض.. هيك نفس الشي شركة التلفونات. بس نقلت على سلكوم رن التلفون، عرفت إنه بيليفون مرديتش، خفت. بعد شوي بتوصلني مسج: "زبوننا الغالي..." 

بتعرفي وينتى آخر مرّة قلتيلي "غالي"؟ فجأة إسا صرت غالي.. "زبوننا الغالي!" يا الله الدراما.. غالي! ونفس الشي، انه ليش بتتعامل معي الشركة على إني بعدني زبون؟ يعني شو عم بتحاولوا تعملوا؟ شو الهدف؟


يمكن أنا بعترف إنه طريقتي كانت غلط، بعرف... 

بعرف انه كنت لازم آجي ونقعد ونحكي، مكنش لازم أخلي مندوب من سلكوم هو الي يتصل بـ"بيليفون" وأعطيه توكيل يقطع الخط وينقلني على سلكوم.. بعرف انه هذا مش أسلوب، انه مش هيك بنهوا الأشياء. 

بس من ناحية ثانية عنجد مكنتش راح أقدر أقعد قدامك وأحكي، بعرف إني كنت راح أرجع زي الولد الصغير، بعرف إنه بلحظة واحدة كنتي راح تعرضي عليّ أكثر أشياء حلوة ومغرية الي تخلّيني أضل.. وبعدين؟ منرجع لنفس المحل أنا بعرف. أنا مكنتش بقدر أقلك بوجهك إنه بدي أروح... مكنتش بقدر


وبتصير الشركة تتصل، تتصل، تتصل، كل يوم، كل ساعة، وانت بترُدّش... 

أحلى إشي لما أول مرة اتصلوا من الشركة واضطريت اقلهن انه نقلت لأنه فتنا بسلكوم بحملة خاصة لكل تلفونات العيلة... كان إشي زيّ: "أهلي مش قابلين..." و "يا إنت يا عيلتي"... انت فاهم الفلم؟ 

وبتفكر بحنّش؟ مبلا، بحنّ... 

في كثير أشياء بتتغيّر... 
سرعة الإنترنت... فش زي سرعة الإنترنت في بيليفون.. فش
من م نقلت من بيليفون مربحتش دق fun run واحد يا زلمة... 
بس بتعرف، لكلشي في حسنات وسيئات... هاي الحياة


يا ريت يبطّلوا يتصلوا من بيليفون... خلص، فش إشي ممكن يرجع، كلشي انتهى
عن جد خلص. يمكن هذا الوقت نواجه الحقيقة، نتمنى الخير لبعض، وخلص.. هذا كله البكا والمراضاة والدراما وتذكّر الأيام الحلوة، هذا بطل يفيد.. جد بطل يفيد.

بالنهاية المشكلة، إنه إسا بعدنا بتذكّر الأيام الحلوة والبكا.. إسا بعدنا بإنه "حبيبي، خلينا نرجع، اعطي الإشي كمان فرصة، وحياتك..." 


بس وين... فكرك الأشياء بتطوّل هيك؟ 


بكرا بتحسّ الشركة إنك خلص، رحت وبطلت ترجع، وإنك مع هذيك "العاااااااهرررررة"... وإنه خلص، فش مجال... وبتبدا الحرب... يا ويلي يا ويلي يا ويلي... 


بكرا بتبدا تطلعلك قصص، وتخلقلك مشاكل. بكرا فجأة ما بتحسّ، ولا طلّعولك ديون لازم تدفعها للشركة على أبصر أنو تأمين لأنو سامسونج من شي ألف سنة... وبيلاقولك أربعتلاف شيكل لازم تدفعهن، ومحاميّة، ومش محاميّة...شركة حياتك هاي.. شركة حياتك أبو شريك. بتفكر راح تتركك الشركة بحالك؟ 


شو.. مجنون؟

حُب هاد، انت بتعرف الحُب؟ انت عارف قبل معنى الحُب ايه؟