القول الفصل

القول الفصل

الأربعاء، 31 مارس 2010

هرولة على خطى تشارنيخوفسكي


لم تكن قهوةً كالتي تُقدم في المقاهي العادية، بل قهوة ركيكة في محطة بيع يانصيب في شارع "تشارنيخوفسكي". انا وصديقان يعتمران الشيب، الأول طفل والثاني استسلم للقُبّعة. يتكلمون بسياسةٍ كالقهوة؛ ليست كالتي يتكلمون عنها في المقاهي العادية: "خليهن الشيشانيّة ينيكوا أخت أحسن روسي."

في شارع تشارنيخوفسكي دورية لا تنتهي لصبايا في نهاية العشرينات بملابس مختلفة، يهرولن للحفاظ على لياقتهن البدنية. يهرولن دون اكتراث لنوع قهوتنا وحديثنا، وكيف ونحن نجلس في مقهى يرتاده اليائسون عادةً؟

مرورهن السريع يتركك بخيالٍ عذري لا يقطعه إلا مرور مهرولةٍ نحو جمالها.

فيرتادك شعر تشارنيخوفسكي:

"أنتِ لا تُدركين، وسع مدى بهائك
ولا اشرئباب قدميك
ولا روعة خطٍ
يحدد زينة ساقيك
بجبروتٍ ورقاق، بغنجٍ وسحر
خُطى حورية بحرٍ على رمل تل
وراء كاسر امواجك
انت لا تدركين، وسع مدى بهائك*"

ملاحظة المترجم الأولى: أسمى الأمور عذرية الخيال وايباحية الفعل.
ملاحظة المترجم الثانية: كم فرصة سبقتك هرولةٌ قبل ان تخشى اغتنامها لأسبابٍ تافهة؟
ملاحظة ام وليد: التخت إلو طايفة؟

*بيت من قصيدة "انت لا تدركين" "את אינך יודעת" لشاؤول تشارنيخوفسكي. ترجمة: مجد كيّال.

الثلاثاء، 30 مارس 2010

شظايا هيراقليطس


ترجمة لشظايا (=Fragments) نصوص الفيلسوف هيرقليطس.




(3)
والشمسُ، وسع قدم المرء.

(6)
والشمسُ تتجدد يوميًا.

(7)
لو كل الأشياء كانت دُخانًا، لميّزها الأنف.

(8)
متناقضٌ متوحدُ.
ومن المنفصلين التلاؤم الأجمل.

(10)
والإتان تفضل الفضلات على الذهب.

(12)
متوحدون:
الكامل والناقص،
المتوحد والمنفصل،
الملائم والشاذ،
من كل الأشياءِ: واحد.
ومن الواحد: كل الأشياء.

(16)
على الداخلين لذات الانهُر تتدفقُ مياه أخرى، ثم أخرى.

(17)
وكيف يختبئ المرء ممن لا يختبئ أبدا.

(19)
ولن يفهم العامّة،
كل من صدف اللقاء بهم:
وحتى من تعلموا.
لن يعرفوا،
إنما صُوّر لَهُم.

(20)
وإن لم يستطيعوا السَمَعَ، فكيفَ الكلام.

(26)
وحين ولدوا، أرادوا الحياة، وملاقاة المصير.
ويتركون أبناءً، ليصنعوا قدرا.

(30)
ويضيء الحي لنفسه نورًا،
بإنطفاء بصره.
الحي- يلمس الميت.
المستيقظ- يلمس النائم.

(35)
نظام العالم "اللوغوس" هذا،
واحد لكل شيء،
لا إله، ولا مرء خلقه، إلا أنه كان ويكون وسيكون: نار حيّة أبدًا.
تشتعل تارةً\ تنطفئ تارةً.

(44)
والفلاسفة يبحثون أشياءً كثيرة.

(45)
والماء موت النفس والأرض للماء؛/
ومن الماء أرض، ومن الأرض لاحقًا؛ ماء.
ومنهم تنبت النفس الى الباقي/
وللأنفس موت إن صاروا مياه
وللمياه- موت إن صاروا تراب.
ومن الأرض، يُخلق الماء.
ومن الماء، روح.

(49a)
وليدافع الشعب عن قانونه، كما يدافع عن سوره.

(50)
وحدود النفس لن تجدها مهما سريت،
ومهما عبرت،
"لوغوس" هو الاعمق.

(51)
لذات الانهر، ندخل ولا ندخل.

(54)
وأنصتوا للـ" لوغوس" وليس لي،
وحكيم من يصدق، أن الامور كلها واحد.

(56)
ولا يعرفون كيف بإنفصاله يتوحد بنفسه،
وتلاؤمه يصير هو ونقيضه، كقوسٍ ووتر.

(67)
والتجانس المستتر، أقوى من الظاهر.

(70)
يُخدعون، يقول، البشر بمعرفة الظواهر،
إنا ما رأينا وفهمنا، سنٌبقي ونعالج،
ومال لم نرى، ولم نستوعب، سيقون دون معرفتنا.

(73)
والإله: يوم وليل\شتاء وصيف\حرب وسلم\شبع وجوع\
وتتغير: كالنار.

(74)
الآراء البشرية: تسالي أطفال.

(78)
لا تفعلوا وتتكلموا كالنيام.

(88)
لا تتصرفوا كأبناء الأهل

(89)
الطبع البشري، ليس به فكر.
بالإلهي فكر.

(90)
فيثاغوروس رأس المخادعين.

(91)
وهم كذلك،
الحي والميت
المستيقظ والنائم
الشاب والشيخ
ومن النقيض الى النقيض هم،
ومن النقيض،
عودةً إلى القيض.

(93)
للمستيقظين عالم واحد مشترك.
للنائمين كلٌ منهم عالمه.

(101)
وللنار: كل شيء بديل،
والنار: بديل كل شيء.

(107)
لذات النهر لا ندخل مرتين.\
لذات النهر لا ندخل مرة

(111)
السيد الذي له مجلس الإله في دلفي، لا يقول ولا يستر،
إنما يرمز.

(123)
الشهود الأسوأ للمرء: عيناه وأذناه، ولهم الروح البربرية.

(125)
والمرض يعطي الصحة قدرها،
والجوع الشبع،
والتعب الراحة.

(126)
البارد يسخن، الحار يبرد، الرطب يجف، القاحل يبتل.
مشاكسة كحولية خضراء؟ استهتار مؤلم أحمر. عاصفة سماوية بيضاء!
نهر.

الأربعاء، 24 مارس 2010

ملاحظات حول قيادة الهبة الشعبية في القدس/ مجد كيّال

في ظل الأحداث الأخيرة التي شهدتها القدس في الأيام والأسابيع الأخيرة نجد ما يقتضي التوقف عنده وإبداء بعض الملاحظات.

لا يمكن خوض غمار ملف القدس والهبة الشعبية في القدس دون التطرق الى بنية القيادة والتنظيم السياسي، أو بالأحرى التطرق الى عدم وجود قيادة سياسية وتنظيم سياسي في القدس. وقد طرح في السابق النقاش حول أهمية وجود قيادة وتنظيم سياسي أولًا من أجل استثمار الهبة الشعبية سياسيًا كمعطى مُلِح قد ينضم، ويفرض نفسه، الى معطيات سياسية أخرى يمكن استثمارها لتحقيق إنجازات سياسية فيما يتعلق بموضوع القدس، أي لئلا تتحول الهبة الشعبية الى هبة عبثية. وثانيًا من أجل توجيه الهبة الشعبية بما يراعي القدرة الشعبية على مواصلة المواجهة وامكانيات النضال الشعبي وبما يتناغم تصعيدًا وتهدئةً مع التطورات السياسية. وثالثًا، ما لا يقل أهمية، قيادة المواجهة ميدانيًا وفعليًا.

الاستهداف الإسرائيلي للحياة المقدسية إجتماعيًا، ثقافيًا، تعليميًا واقتصاديًا وجّه أوتوماتيكيًا ضربة قاضية لبنية التنظيم السياسي والقيادة السياسية في القدس. فمن غير الطبيعي ان تتماسك الحياة السياسية في ظل مثل هذا الاستهداف الشامل، فكيف إذًا حين تضيف اسرائيل على استهدافها للحياة بكل جوانبها، استهدافًا مباشرًا استطاع القضاء بشكل تام على أي بنية تنظيمية وقيادية فلسطينية في القدس.

ولكن من الضروري أن نضيف بعض العوامل التي ساهمت في نشوء واستمرار هذا الوضع.

أ. غياب فيصل الحسيني كانت نقطة أساسية في تدهور وضع القيادة الفلسطينية في القدس وزاد الوضع سوءًا بعد وفاة ياسر عرفات. أي أن الأزمة هي جزء من الأزمة الفلسطينية في الضفة بشكل عام من جهة تصفية القيادات الوطنية والحزبية، بالاضافة لصرعة القيادات (والقيادات المستقبلية) التي هُمشت وهَمشت نفسها إلى هامش عمل الجمعيات الأهلية والمؤسسات الدولية، ومجتمع مدني لمجتمع منكوب ومدينة مُفترسة.

ب. قبل الدخول في هذا العامل لا بد من الإشارة إلى انه لا يمكننا، مهما زادت علمانيتنا، تجاهل القيمة الرمزية للمسجد الأقصى خاصًة في اثارة التعبئة الشعبية (والشعبوية ان اقتضى الأمر). لا يمكن فصل موضوع الأقصى عن ملف القدس. بل نقول أن قيادة وطنية وسياسية لا يمكنها النمو دون الوقوف في مركز موضوع الأقصى، لأن مهامها وصلاحياتها المعنوية، تُشتق بالنسبة للجماهير من تصدّرها لقضية الأقصى، فهذه القضية بالنسبة للجماهير هي الدافع الأول لحراكهم السياسي، والشأن الأول على سلم أولوياتهم. قضية الأقصى هي مفتاح قيادة ناشئة لإكتساب شرعيتها بقيادة الحراك الشعبي في القدس.

امتحان القيادة هو تلبية الحاجة للربط بين قضية الأقصى بما تحمل من متاهات دينية وتاريخية وبين مختلف جوانب ملف القدس الأكثر أهمية بالنسبة لنا كعلمانيين. أي الربط بين الحماس الشعبي بموضوع الاقصى الذي فجّر الهبة، وبين قضايا الاستيطان والهدم والمصادرة والتضييق وإلى آخره، أي تسييس موضوع الأقصى وربطه بمعاناة المقدسيين بكل جوانب الحياة وهو ما تعبره إعادة الهبة الشعبية من الأسباب المباشرة واللحظية التي فجرت الهبة، إلى الأسباب الجذرية المستمرة والدائمة (قضية الأقصى والحفريات تحته هي أيضًا قضية مستمرة، إلا اننا نقصد بالسبب المباشر إعلان إتمام بناء هيكل الخراب).

ما يتعلق بالاقصى من اسباب تستدعي وجود القيادة هي؛ (1) عدم الانجرار الى فخ المتاهات الدينية والارخيولوجية العقيمة التي تسخّف النضال الفلسطيني وتحوّله إلى صراع أساطير. (2) والتشديد على ان ملف الاقصى هو جزء اساسي من ملف القدس ولا يمكن تجزئته وحله خارج إطار الصراع، أي أن المشكلة ليست مشكلة بناء كنيس فحسب، بل مشكلة سيادة. (3) بيان وتعبئة الجماهير بالعوامل الحقيقية المتراكمة التي ولّدت الهبة، ليبقى الاستعداد للمواجهة قائمًا حتى في وضع سياسي تختفي فيه الاسباب المباشرة والواضحة في حين يستمر الاستهداف الاسرائيلي الهادئ كما هو الحال في القدس منذ عشرات السنين.

ما قلناه حتى الآن كان ضروريا في توضيح العامل (ب)، وهو وقوعنا بين التجاهل التام لقضية الأقصى من منطلقات علمانية، وبين تجاهل القضية الفلسطينية كلها لصالح قضية الأقصى ما ينعكس بوجود حركة سياسية، ونقصد الحركة الاسلامية في داخل الأراضي المحتلة عام 1948، احتكرت موضوع الأقصى والنضال في موضوع الأقصى دون وضعه في السياق الوطني الفلسطيني، ودون وضعه في سياق ملف القدس. ولا ننكر دور الحركة الإسلامية واهتمامها البالغ بقضية الأقصى كمسجد ومهنية العمل التي تقوم به، إلا أنها حركة سياسية غير موجودة بالقدس بتاتًا، وتعيش أصلًا على رؤية الصراع كصراع ديني، ولا تتعامل مع ملف الاقصى كجزء من موضوع السيادة الوطنية على القدس ولا تكترث بشكل جدي للقضايا السياسية لا بالقدس ولا في فلسطين بشكل عام.

لا تريد أصلًا قيادة هبة شعبية من هذا النوع حيث أنه من الواضح أن الهبة تحمل أكثر بكثير من موضوع الأقصى فقط مما لا تقدر ولا تريد الحركة الاسلامية حمله. إذًا فهي ليست جزء من الهبة الشعبية للمقدسيين، إلا أنها تحتفظ لنفسها بمفتاح قيادة معركة المقدسيين- الأقصى.

قد لا يكون هذا العامل سببًا في أزمة القيادة، إنما هو دون شك نتيجة تعيد إنتاج المشكلة في حال اعتبرنا أن احتكار الحركة الإسلامية لقضية الأقصى وضع ناتج عن فراغ قيادي في القدس.

للتذكير، لم نرى نشاطًا احتجاجيًا واحدا للحركة الاسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948 بمناسبة "يوم الغضب" وتزامنًا مع التصعيد، لم نرى مظاهرة، لم نرى اعتصامًا ولم نرى مهرجانًا، اللهم إلا "شد الرحال" إلى الأقصى الذي كان من الواضح أنه لن يصل القدس مطلقًا. هذا غير التفاصيل الصغيرة المثيرة للجدل التي شهدها كاتب هذه السطور شخصيا في محيطه، من محاولة الحركة الاسلامية إلغاء المظاهرة التي نظمتها الكتل الطلابية في الجامعة العبرية بالقدس بحجج واهية، وكذلك مقاطعة الحركة الاسلامية للتظاهرة الوحدوية في حيفا تضامنا مع القدس والأقصى على سبيل المثال.
*

ذكرنا سابقًا أن القيادة في مثل هذا الحال وظيفتها الحفاظ على تناغم مع الأوضاع السياسية والمستجدات، تصعيدًا أو تهدئةً. وفي حال سلمت القيادة لاحد العاملين المذكورين أعلاه، فان هذا الحفاظ على التناغم سيتحول الى تهدئة بعد تهدئة، إلى أن يصبح إما خنوعًا أو تخبطًا عبثيًا في جدران عُلبة مغلقة اسمها "الأقصى". وكما نلاحظ، فإن دور القيادات الفلسطينية في السنوات الأخيرة في الضفة، في الداخل وحتّى في غزة تلخّص بكبح الحماس الشعبي والتراجع عن التصعيد والتهدئة الدائمة.

نعيد التشديد على أن وجود قيادة وطنية مناضلة هو أمر حتمي في تحقيق المطالب وتحصيل أهداف الهبة الشعبية، إلا اننا قد نقول أنه في الهبة الشعبية الأخيرة في القدس، حالفنا الحظ بعدم وجود تأثير "قيادة". لأن القيادة التي تركت لها اسرائيل امكانية العمل في القدس هي قيادة رافضة للتصعيد أساسًا. وجود القيادة فقط ليس متطلبًا ضروريا، بل الضروري هو وجود قيادة وطنية ومناضلة ونظيفة تشتق من هذه الصفات الثلاث صفة رابعة هي المسؤولية. وإذا كان يمكن لشعبنا أن يختار بين القيادة خانعة أو فاسدة، وبين عدم وجود قيادة بالمرة، كان سيختار الثانية.

في مثل الحال القائم في القدس، يبقى الأمل الوحيد ولادة قيادة ميدانية من رحم المواجهة والشارع تكون قادرة على تنظيم العمل ميدانيًا أولًا، ومن ثم الارتقاء الى المسؤوليات السياسية، وفي عملية "الإرتقاء" هذه نقاش طويل لا بد من الخوض فيه في مناسبة أخرى.

(القدس)