كثيرًا ما يتكرر المشهد: مهرجين بأنوفٍ حمراء وشعر ملوّن، رسم على الوجوه، طيارات ورقية وطلاقة باللغة الانجليزية يقتربون من الحاجز، لنشاهدهم بالفيديو يُقمعون على يد الجيش الاسرائيلي.
أليس في الأمر ما يستفز؟ أن يحتاج الطفل إلى رسم شوارب قطٍ على وجهه، أن يحتاج الفتى إلى حمل طائرة ورقية، وأن يحتاج البالغ إلى لبس زي المهرج، لكي نثبت لكاميرا المتطوع الأجنبي بأننا نتحلى بإنسانية ما. أن تقف أمام مجموعة قتلة يتكون على مجنزرة ويلهون بقذف القنابل على الأطفال لكي تمضي سريعًا ثلاث سنوات من القتل المكثف، وتكون أنت المطالب بإثبات إنسانيتك والتحدث عنها، هذا مقرف.
سأُعمم؛ الضفة الغربية تعج بالفراغ، لكنه فراغ ملوّن بألوان زاهية ترتاح لها عيون مُستهلك الصورة الأوروبي والأمريكي، هكذا نسوّق قضيتنا.. هكذا نناضل عندما نفقد كل شيء: نفقد القيادة ونفقد الإستراتيجية، نفقد البوصلة ونفقد الثقة بإمكانية تحقيق أهدافنا- هل قلت أهدافنا؟ نحن (كلنا معًا) لا نعرف ما هي أهدافنا.
ما المقولة من حملات الأنسنة هذه، ابتداءً بالمهرجين عند الجدار وحتى مهرجانات "ربيع فلسطين"، هكذا نثبت عدالة قضيتنا ونثبت أننا "إنسانيين" يجب أن نحصل على حقوقنا؟ ماذا عن الأطفال الذين يرشقون دوريات الجيش بالحجارة والقنابل الحارقة في قرى القدس؟ هل نعتبرهم الوجه الحيواني القبيح لشعبنا؟ وماذا عن المقاومة المسلحة؟ هل نعلن براءتنا الكاملة منها (حتى وإن اختلفنا حول استراتيجياتها)؟ يجب ألا نسمح بأن يخفض سقف نضالنا إلى هذا الحد المهين. نؤيد النضال الشعبي السلمي، ونحن جزء منه، ولكننا نعرف النضال الشعبي السلمي الحقيقي: هل سمعتم عن الانتفاضة الأولى؟
الصهيوني هو من بحاجة ليثبت إنسانيته، يثبتها عبر إنهاء الاحتلال، أيّ التنازل عن صهيونيته. وقتلة الجيش الإسرائيلي هم الذين بحاجة لإثبات إنسانيتهم، عبر خلع بزّتهم العسكرية بوجه قياداتهم. والرأي العام العالمي هو من بحاجة إلى إثبات إنسانيته عبر حماية شعب يُقتل في وطنه.
أن تكون إنسانًا يعني أن تستشرس في الدفاع عن بيتك، عن أبنك، عن حياتك، باليد والحجر والسلاح. أن تكون إنسانًا يعني ألا تتجاهل الهم السياسي الذي يؤثر على حياتك. أن تكون إنسانا يعني أن تقاتل دون هوادة لأجل كرامتك الإنسانية، لأجل حريتك... أما أن ترقص سامبا أمام الحاجز، فهذا ليس من تعريفات الإنسانية.
أن نُطالب بإثبات إنسانيتنا على النمط الأوروبي، هذه هي عقلية المُستَعمِر. وعقلية ما بعد الحداثة التافهة هذه، التي تطالبنا بأن نضع الصراع جانبًا ونركّز على الوجه الإنساني لدينا، وأننا يجب أن نفرح بالرغم من مدفع الدبابة الذي يدخل من شباك غرفتنا، هذه هي أداة المُستعمِر.
"أما أن ترقص سامبا أمام الحاجز، فهذا ليس من تعريفات الإنسانية."
ردحذفبكلامك, بصراحتك وبعدم تنازلك - انت انسان بكل معنى الكلمة :)
رائع عزيزي...
(رحت مأتشردق من سرعة التهامي لأقوالك) ;)