القول الفصل

القول الفصل

الجمعة، 9 ديسمبر 2011

بريد فلسطيني-سوري - بلاغ رقم 1: لأجل من يُقتلون باسمنا...


وردةٌ للثورة... 


|مجد كيّال|

من أجمل مصادفات الربيع العربي هي تزامن إعلان الإضراب العام في فلسطين المُحتلة وسوريا يوم الأحد القادم، في فلسطين إضراب ضد النكبة القادمة التي تنتظر أهل النقب، وفي سوريا "إضراب الكرامة" الذي نأمل أن يبدأ مرحلة جديدة من الثورة هي مرحلة العصيان المدني. إنها مصادفة تعيد الابتسامة المؤلمة إلى وجوهنا حين تذكّرنا بالحقيقة؛ أن أي قضيّة لا يمكنها أن تنتصر إن لم تتنفس نضال المضطهدين وقضاياهم في كل بقاع الأرض، فكيف إن كان الأمر بين سوريا وفلسطين، بين أبناء شعب واحد شظّاه الاستعمار؟
"المقاومة حيّة، قبل الدعم الإيراني"

نرى عند "فريق" من الفلسطينيين موقفاً مؤيداً لنظام بشّار الأسد بصفته نظاماً "مُمانعاً"، وهو موقف خطير ومقلق للغاية لما يعكسه عند جزء من القوميين من بذور أدلجة للقومية ما سيصلبهم بالضرورة إلى أنماط فاشية الملامح. ومن جهةٍ أخرى عند جزء من الماركسيين، لما يعكسه الموقف من هزلية هي نتيجة مباشرة لأزمة فكرية حادة. وكلا الحالتين سنتوقّف عندها في وقتٍ آخر.

"من السهل أن تكون ثوريّاً في زمن الثورة..." خدمت هذه المقولة وقتاً طويلاً لتشرح وضع هذا "الفريق": تواطؤوا مع الأنظمة حين صمتت الشعوب، وثاروا مع الشعوب عندما احتضرت الأنظمة. ولكن هذا الفريق عليه اليوم أن يجد توليفة جديدة تغطي عورة تأخره عن الثورات (خذ الذين يخافون على المقاومة ويدعمون فريق أوسلو في الوقت ذاته، مثلاً)... فوهبوا قاموس السياسة مقولةً جديدة: "أن تكون ثورياً في مكان الثورة..." حتى لو كنت معها بذات اللحظة في مكانٍ آخر.

هناك من فشل في امتحان صدق الثورية والمبادئ، ولكن أيضاً مؤيدو الثورة في فلسطين لم يكن نجاحهم باهراً، حين لم نقم بالدور الواجب علينا (وهو أكثر من التضامن البسيط) أمام أخوتنا الذين يُقتلون باسم قضيتنا، فنحن في مرحلة غير هوليوودية، لا يتلخص الشر المطلق (الدكتاتورية والعمالة معاً) في رجل واحد (مُبارك مثلاً) وفي هكذا مرحلة تتوخى منّا الثورة عودةٍ إلى الجذر الإنساني للموقف الإنساني، مرحلةً مفصلية تهدم كل المفاهيم الجاهزة وتعيدنا إلى طور بناء الثقة بعقل الإنسان الحر.


انتشر خطاب السيّد حسن نصر الله في يوم عاشوراء كالنار في الهشيم بين مؤيدي نظام الأسد، ومنّا طبعاً من أدمن خطابات السيّد وأدمن تكرارها حتى حفظها. الآن، لنشاهد ونصغي جيداً، ثم نسأل مؤيدي النظام الذين يدعون خوفاً على المقاومة من التدخل الأجنبي: لماذا لا تخرجون ضد السيّد (بنفس الحماس الذي تؤيدونه فيه) حين يقول في خطابه: "في ليبيا انتصر الشعب على طاغوته والقوى السياسية مسؤولة عن تحقيق طموحات الشعب..."؟ فرحت لهذه الجملة، لثقتي بأني الشعب الليبي قادر على إتمام ثورته عاجلاً أم آجلاً وكنس الأجنبي من بلاده. ولكن لماذا تسقط الشرعية عن ثورة شعبية سلمية في سوريا، ولا تسقط عن ثورة تسلحت (بحق) وساندتها طائرات الناتو؟
"بدنا نعيش"= ثورة

تحدث نصر الله أيضاً عن تصريحات غليون حول قطع العلاقة مع حزب الله وحماس –وهي تصريحات يجب علينا نقاشها ورفضها من منطلق غيرتنا على الثورة وأهدافها- ولكن المنطق الغريب الذي يجعل هذا التصريح "يُثبت" عمالة الثورة في سوريا، لماذا لا يسري على الثورة التونسية بعد أن ضدّم الغنوشي "ضماناته" لصحيفة الـ"ويكي ستاندار" الأمريكية بأنه لن يكون في الدستور مادة مناهضة للصهيونية أو لإسرائيل "لأنه لا يرى سبباً لذلك.." ؟!

أنا لم أفوّت يوماً خطاباً للسيد، لكن الثورات ولدت لنا أذنين إضافيتين لنصغي أكثر، وفم جديد يطرح الأسئلة: هل يمكن للمقاومة الصمود يوماً واحداً دون احتضان الناس لها؟ وهل كان حزب الله سيكسب الحضن الشعبي الدافئ في الجنوب لو أنه تعامل مع الناس كما يفعل الأسد مع أبناء شعبه؟ المقاومة موجودة قبل الدعم الإيراني والسوفييتي والأمريكي... لكنها لم تكن يوماً موجودة قبل الجماهير التي تحتضنها.

أنا لم أفوّت يوماً خطاباً للسيد، وأقارن هذا الخطاب بخطاب النصر، هنالك فرقان أساسيين: الآن، العقل هو الذي ينتفض، وليس القلب. الآن، لا تبث المنار بعد الخطاب فيديو كليب "شُكراً قَطَر..."
  
من السخيف أن نطلب من الثورة السورية أن تقدم لنا صك ضمان لتأييد من لا يؤيدها. نحن شعب يصنف فرق كرة القدم في المونديال بحسب دعمهم لقضيتنا، فهل يمكننا أن نطلب من الشعب السوري أن يرفع رايات أطراف تنادي بضرورة بقاء النظام مهما كان الثمن؟... ما يمكننا أن نفعله، وكان على المقاومة أن تفعله، هو أن نعود إلى رشدنا ونقدّم كل ما بوسعنا للثورة دون شروط، حتى تنتصر دون أن تحتاج الخروج من حضنها الوطني والتقدمي.

هناك تعليق واحد: