في ليلة بردٍ قارس، ليلة واحدة قبل ليلة رأس السنة، يصخب المهرجان الإحتفالي. إلا أني لم أهيئ نفسيّتي للرقص والاحتفال ليلة قبل “الليلة الكبرى”، فلم أكن إلا متفرجًا يقيّم المهرجان.
لم أستطع التقييم، إلا أن منال (سمراء من وادي النسناس) ضحكت ضحكة عاليا، لأنها خلافًا للعام السابق، تستطيع أن تهز مؤخرتها الكبيرة في الشارع إحتفالا ببداية العام الجديد، دون أن يتجمهر حولها الـ”قرويستيم” الذين يأتون للإحتفال بنهاية العام الحالي، فقد خدعهم رئيس البلدية، ونظّم المهرجان في ليلة سابقة.
روكسانا (شقرا من هكارميل هتسرفاتي) عادت إلى بيتها غير ثملةٍ وعابسة؛ لم تجد من يدفع عنها الحساب مقابل لقب “بِطلَع مع روسيّات”. ، فقد خدعهم رئيس البلدية، ونظم المهرجان في ليلة سابقة.
*
في ليلة بردٍ قارس، في الشارع الحيفاوي، سُكارى يحرق كبدهم “شوت” الوسكي، وسمراوات يتصببن عرقًا من رقص التانغو، وجميلات روسيا يصطدن القبل من الحبيب. في مخيلة المراهقين تشتعل الـ”فَنطَزَة” كلما مرت مراهقة تدفئ صدرها بمعطف فاخر، وفخذيها بالعيون
في ليلة بردٍ قارس، على طرف الشارع الحيفاوي، امرأة مُحجبة تبيع المثلجات.
من سيشتري مثلجات في ليلة رأس السنة؟
*
في ليلة بردٍ قارس يكتظ الآلاف عند منصات الرقص، عربية وعبرية وأجنبية على حدٍ سواء.. وفي زاوية بعيدة من الشارع منصة صغيرة تلمع بألأبيض والوردي؛ عرض باليه!
وأنا، وسط منصّة تعزف “دبِّك دبِّك دبّيكي اسمالله عليكي اسمالله عليكي”.. وأخرى تعزف أغاني “ديكاؤون” عبرية.. وأخرى تبث موسيقى الترانس.. تصدمني منصّة باليه. لم يكن الباليه من هواياتي يومًا، لكن شيئا ما، قد يكون تميّز العرض وسط كل هذا، شدني إلى هناك، حيث وجدت الصدمة الحقيقية.
ماذا يفعل هنا، بحق الجحيم، كل هؤلاء؟! أصدقاء طفولتي، وأبناء حارتي، على العين والرأس.. ولكني لا أفهم أي شيء. سُمعة نجار (الذي ودّعنا إلى الإصلاحية منذ الصف السادس)، نمر مولكا (الذي ضُبط متلبسًا في الصف التاسع يمارس الجنس مع معلمة الإنجليزية العجوز)، ويليام سحسوح (عاطل عن العمل منذ إلقاء القبض على أكبر ثلاث صفقات حشيش في البلاد)، وسانكرو (هارب من الحبس المنزلي).. ما الذي يفعلونه هنا، أمام منصة الباليه، بحق السماء، ما الذي يفعلونه!
بعد أن تعانقنا وعادوا للتمعن بالعرض سألني سُمعه: “ولا كِنَّك كملت تعليم؟” أجبت، ثم قبل أن أُخرِج السؤال الخانق من فمي قال مولكا: “شُفت؟”
سألت: “شو؟”
ردّ: “بيَّن كلسونها.”
*
قبل خروجي من المهرجان، التقيت رنين زميلتي في الدراسة مدة اثني عشر عامًا. سألتها عن الجميع. حدثتني عن لُبنى، قالت أنها “مش بس حبلى، بالشهر الرابع كمان..”، وعن رائد أنه “مفظّع بالأردن” وعن سلام، قالت أنه “صار معمِّر”، ثم أتت زميلة أخرى، نجلاء، واستعجلت رنين.. لأن بعد لحظات ستبدأ أغنية “جمهورية قلبي”، إلا أن رنين توقّفت كأنها تستعيد معجزةً جميلة: “ولك مقلتلكاش!.. راني صار يدق دربكة مع زُهير! قبل جمعتين طلع أوّل سهرة عروس بالناصرة!”
فوقفت نجلاء، حبيبة راني الأزلية وسألتني بتملق: “وانت شو بتتعلم؟”
فدار المهرجان بي؛ منال، وروكسانا، ودبّك دبّك دبّيكي، ونمر مولكا، والترانس، وبائعة المثلجات، والباليه، وبابا نويل، والتراتيل، وأغاني الديكاؤون، وسانكرو والسحسوح ومعلمة الإنجليزية العجوز..
ثم أجبت: “فلسفة.. بالقدس.”
(نُشرت في موقع قدّيتا)
لم أستطع التقييم، إلا أن منال (سمراء من وادي النسناس) ضحكت ضحكة عاليا، لأنها خلافًا للعام السابق، تستطيع أن تهز مؤخرتها الكبيرة في الشارع إحتفالا ببداية العام الجديد، دون أن يتجمهر حولها الـ”قرويستيم” الذين يأتون للإحتفال بنهاية العام الحالي، فقد خدعهم رئيس البلدية، ونظّم المهرجان في ليلة سابقة.
روكسانا (شقرا من هكارميل هتسرفاتي) عادت إلى بيتها غير ثملةٍ وعابسة؛ لم تجد من يدفع عنها الحساب مقابل لقب “بِطلَع مع روسيّات”. ، فقد خدعهم رئيس البلدية، ونظم المهرجان في ليلة سابقة.
*
في ليلة بردٍ قارس، في الشارع الحيفاوي، سُكارى يحرق كبدهم “شوت” الوسكي، وسمراوات يتصببن عرقًا من رقص التانغو، وجميلات روسيا يصطدن القبل من الحبيب. في مخيلة المراهقين تشتعل الـ”فَنطَزَة” كلما مرت مراهقة تدفئ صدرها بمعطف فاخر، وفخذيها بالعيون
في ليلة بردٍ قارس، على طرف الشارع الحيفاوي، امرأة مُحجبة تبيع المثلجات.
من سيشتري مثلجات في ليلة رأس السنة؟
*
في ليلة بردٍ قارس يكتظ الآلاف عند منصات الرقص، عربية وعبرية وأجنبية على حدٍ سواء.. وفي زاوية بعيدة من الشارع منصة صغيرة تلمع بألأبيض والوردي؛ عرض باليه!
وأنا، وسط منصّة تعزف “دبِّك دبِّك دبّيكي اسمالله عليكي اسمالله عليكي”.. وأخرى تعزف أغاني “ديكاؤون” عبرية.. وأخرى تبث موسيقى الترانس.. تصدمني منصّة باليه. لم يكن الباليه من هواياتي يومًا، لكن شيئا ما، قد يكون تميّز العرض وسط كل هذا، شدني إلى هناك، حيث وجدت الصدمة الحقيقية.
ماذا يفعل هنا، بحق الجحيم، كل هؤلاء؟! أصدقاء طفولتي، وأبناء حارتي، على العين والرأس.. ولكني لا أفهم أي شيء. سُمعة نجار (الذي ودّعنا إلى الإصلاحية منذ الصف السادس)، نمر مولكا (الذي ضُبط متلبسًا في الصف التاسع يمارس الجنس مع معلمة الإنجليزية العجوز)، ويليام سحسوح (عاطل عن العمل منذ إلقاء القبض على أكبر ثلاث صفقات حشيش في البلاد)، وسانكرو (هارب من الحبس المنزلي).. ما الذي يفعلونه هنا، أمام منصة الباليه، بحق السماء، ما الذي يفعلونه!
بعد أن تعانقنا وعادوا للتمعن بالعرض سألني سُمعه: “ولا كِنَّك كملت تعليم؟” أجبت، ثم قبل أن أُخرِج السؤال الخانق من فمي قال مولكا: “شُفت؟”
سألت: “شو؟”
ردّ: “بيَّن كلسونها.”
*
قبل خروجي من المهرجان، التقيت رنين زميلتي في الدراسة مدة اثني عشر عامًا. سألتها عن الجميع. حدثتني عن لُبنى، قالت أنها “مش بس حبلى، بالشهر الرابع كمان..”، وعن رائد أنه “مفظّع بالأردن” وعن سلام، قالت أنه “صار معمِّر”، ثم أتت زميلة أخرى، نجلاء، واستعجلت رنين.. لأن بعد لحظات ستبدأ أغنية “جمهورية قلبي”، إلا أن رنين توقّفت كأنها تستعيد معجزةً جميلة: “ولك مقلتلكاش!.. راني صار يدق دربكة مع زُهير! قبل جمعتين طلع أوّل سهرة عروس بالناصرة!”
فوقفت نجلاء، حبيبة راني الأزلية وسألتني بتملق: “وانت شو بتتعلم؟”
فدار المهرجان بي؛ منال، وروكسانا، ودبّك دبّك دبّيكي، ونمر مولكا، والترانس، وبائعة المثلجات، والباليه، وبابا نويل، والتراتيل، وأغاني الديكاؤون، وسانكرو والسحسوح ومعلمة الإنجليزية العجوز..
ثم أجبت: “فلسفة.. بالقدس.”
(نُشرت في موقع قدّيتا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق