القول الفصل

القول الفصل

الاثنين، 4 يوليو 2011

ملاحظات مُتعَبَة.

-1-
آن زمان الشعر، او رصد العبارة.
حظ المتافورا أنها كذبةٌ أصدق من النص
الطويل؛ فالصدق استعارة.




-2-
في جامعة بأميركا، شغلتها انها تكون جزء من كل كذبة إنسان عربي. كل كذبة عربية، مجبور يكون فيها "جامعة بأميركا". بقلّك في جامعة بأميركا عملوها فيها بحث، لاقوا انه ورقة ميرميّة بتشفي سرطان الغدد. وعندك كذبة ابن عمّي بتعلم "بجامعة بأميركا". وعندك كمان "في بروفسور بجامعة بأميركا طلع ع التلفزيون وقال انه صدّام رح يرجع." ولك يا حبيبي أنو ميرمية؟ ولك بأميركا أصلًا واصليتهن الميرميّة؟ بعد خيّا انت مفش عندك عمام! بعد خيا شو خص صدام؟ ايش صدام؟! مين سمير!!


-3-
عن جَد مرّات بحس انه عندي صحاب رهيبين، عم بتطلع بالصدفة ع النوتس الي بالآيفون، وبتذكر اني بسهرة مبارح كنت أسجّل الأفكار الي بتطلع، عفوًا، الجواهر الي بتطلع من أفواه صحابي الأكارم. تفضلوا:


-أ-
"الصبايا بعرفوش يصفّوا السيارة، هاي حقيقة، أنا بفكّر انه مثل مَ في حمامات للشباب وحمامات للصبايا لازم يكون في مواقف سيارة للصبايا ومواقف سيارة للشباب."


-ب-
"- يحرق ربكو ولا حدا قادر يعرف مين هاي الصبية الي لابسة فستان أسود؟ كل واحد بزتلي معلومة زي طيزي...
- في جهاز استعملته المخابرات الإماراتية هدفه يجمع معلومات استخباراتية ويربط آلاف المعطيات الاستخباراتية ببعضها ويحسب نتائج إلى تبين منفذي الجريمة. أنا بفترح نشتري واحد ونحطلّك اياه بإليكا، بتخيّل بفيدك...


-ت-
"- أنا بقول انه الواحد بصير بالقاعدة بعد ميطلع من غوانتانامو، مش قبل، بغوانتانامو بصير مع القاعدة."


-ث-
"اسا، مش في اقتباس؟ مش إحنا منقتبس؟ اسا ممكن يكون إشي مُقتبس بخل وإشي مُقتبس بملح؟"


-ج-
"اكثر اشي قليل هيبة بالعالم هو صلاة العصر يوم الجمعة. خلص، يوم الجمعة لازم يوحدوهن، صلاة واحدة، صلاة الظهر، وخلّصنا."




-4-
عبد الرحمن كتب "مُدن الملح"...
لو انه كان في رام الله كان أعاد كتابة كل شيء من الأوّل.




-5-
شفت مجموعة فنانين منهن شادي زقطان عاملين أغنية للشيخ رائد صلاح. تعصبنت وصرت اكفّر وأقيم وأحط، بعدين تذكرت... الي بوصلته السياسية بتأدي فيه لأحضان فتح، فش سبب بوصلته الاجتماعية تأدي فيه لأحضان رائد صلاح. عيب!
انه، بس سؤال، شو بده يقول عنّك الشيخ رائد لما يعرف انك عامل غناي على الجيتارا؟ امش الأوتار حرام؟ 
عنجد عنجد: في بلد للأيجار!


-6-
انا ضد الثورة في سوريا. انا مع اغتيال بشّار الأسد.


-7-
كتبنا عن شباك الغرفة، حطيتو لايك، كيّفتو؟ حبيتو؟ انبسطتو؟ خلص؟ تمام؟
تفضلوا اسا اشوف مين ابن العرص الي بده يساعدني اصلح الشباك.


-8-
مدوّنتي العزيزة،
حاسس بالغربة فيكي. أقرف شعور بالعالم، خلينا نقعد نحكي يمكن خلص، لازم نترك؟


-9-
موسيقى!
هاي الأغني إهداء لمدونتي..






الجمعة، 1 يوليو 2011

إحنا مجتمع كلاب.



طفل في الصف الثامن يُقتل على يد أولاد صفّه، مع سبق الإصرار والترصّد.
لا أعرف ما الذي يجب أن يُقال الآن؛ لكني اشعر بحاجة قوية لنشر ما كتبته قبل فترة قصيرة، مرة أخرى
كالقطة السوداء. كغضب المقتول قبل استخلاص القدر. كالكلب يضربه المشاغبون في الحي القديم. كالقرف المدسوس اللزج في بيوت البغي. كتحطيم النوافذ واقتلاع شارات المرور. ككسر الرأس. كالغليان عبثا ثم تذكر العجز. كحثالة الميناء. كمتسولي محطات القطار. كرائحة البول خلف العمارة المهجورة. كعرق الزانية. كالوثب نحو باب الزجاج. كسرقة صاحب الحق للحق. كالحصان الهرم يموت آخر يوم أحدٍ قبل السبق. كالذباب المجتمع تفرقه سيارات تمر مسرعة لتدوس جثة القطة الحُبلى متماهية اللون بين الاسفلت والكاوتشوك. كرائحة الكاوتشوك المحروق ودخانه. كالعضو الذكري بعد مضاجعة الزوجة الرابعة. كالشنق بربّاطات الحذاء. كالأجرب المخصي. كالمتقيئ على خشب البار. كرمضان في آب.كاستنشاق غاز الطبخ. كاستشراق أهل الكهف. كالعهر الكوني. كانتشار الحماوة في الفم. كالحيض. كالحيض بعد الإجهاض. كالإجهاض في الأفلام المصرية. كحمامة السلام. كالدود في التفاح. كالزعتر الناشف في عطش الصيف. كتهشيم الرؤس ثم البصق على الدم وضرب القتيل على خصيتيه. كالقتل عمدًا. كالقتل بردًا. كالبرد. كالزرد حين يشتد على اليد. كالخد بعد خرمشة القطط والنساء. كالماء المغلي على اللسان... كالإنسان. 

الأربعاء، 15 يونيو 2011

احنا التخييب: عن لقاء التجمع - فتح.



أطل علينا التجمع الوطني الديمقراطي بزيارة تاريخية لأبي مازن وذلك بعد المصالحة التاريخية بين الفصائل، وقبل المؤتمر التاريخي المزمع عقده، ثم رأينا اللقاء الصحفي التاريخي مع القائد التاريخي رئيس حزب التجمع، السيّد واصل طه في موقع العرب. 
 ولدينا ما نقول -إذا ما سمحت لي قيادة التجمع- بالنسبة لهذا الحدث الجلل، بالرغم من أني لم أعد "ابنًا" للتجمع، ولم أعد جنديًا ملتزمًا في التجمع عامةً، وفي خلايا القوى الضاربة (فرق الموت) التابعة لفرع التجمع في حيفا، والأسوأ في هذا هو الاعتراف الآتي، وأنا أقدمه لكم أعزائي القراء وأنا أقف فوق جسر اللوزية وأنوي الانتحار: لم أقم بأي عملٍ ضمن المجهود الحربي في معركة جامعة حيفا الأخيرة.
 هيّا بنا إذن، أعزائي الصغار، القرّاء عفوًا، نتابع الأخبار كما أتتنا، ونبدأ، لئلا أُتهم بأني "غير موضوعي بالخبر كما رأيناه في موقع عرب 48، بالرغم من أنه كان آخر المواقع التي نشرت خبرًا عن هذا اللقاء.
 انطلقنا:
 التقى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في مدينة رام الله وفدا من قيادة التجمع الوطني الديمقراطي، في مطلع الأسبوع، في لقاء بحث آخر المستجدات المتعلقة بالعملية السلمية والاتصالات الدولية المبذولة لإحيائها.
 حسنًا، التقى رئيس السلطة في رام الله وفد قيادة التجمع. كيف نُسّق هذا اللقاء؟ أليس من حق الجمهور أن يعرف إن كان أبو مازن هو من دعا قيادة التجمع ليطلعها على آخر المستجدات؟ لقد اتهمنا، وأنا جزء ممن اتهم، بأن رجال السلطة وفتح دفعوا مبالغ طائلة لدعم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وضرب التجمع الوطني الديمقراطي بعد المواقف الصلبة التي اتخذها التجمع ضد سلطة فتح وتواطئها مع قتل شعبنا في غزة. هل غيّر محمود عبّاس نهجه وحن لحضن التجمع؟ أم أن التجمع بادر لهذا اللقاء، وإن كان التجمع قد بادر (أو بعض أعضاء المكتب السياسي الذين يستيقظون للرياضة الصباحية على أنغام "أنا ابن فتحٍ ما هتفت لغيرها") لهذا اللقاء، فنريد أن نعرف؛ ما الجديد؟ ما الذي تغيّر اليوم ليجعل التجمع يبادر لزيارة أبو مازن؟
 بحث آخر المستجدات؟ حسنًا، ما هي آخر المستجدات؟ المستجدات المتعلقة بالعملية السلمية والاتصالات الدولية المبذولة لإحيائها؟ أي عملية سلمية؟ إحياء ماذا؟ ما الجديد في العملية السلمية؟ ما الجديد في العملية الاستسلامية؟ ما الجديد في العملية السلمية منذ أوسلو؟ نو ثينج!
 وإن كنتم على كل الأحوال تبغون بحث المستجدات، ألم يكن من الأجدر بقيادة الحركة الوطنية أن تذهب لنقاش التحرك الشعبي في لبنان وسوريا؟ ألم يكن من الأجدر أن تذهبوا لنقاش استراتجيات النضال الفلسطيني؟ لحظة، أبو مازن؟ نضال فلسطيني؟ مش فاهم، أو مثلًا، قمع السلطة لكل مظاهرة تحاول الوصول إلى قلنديا؟ ألم يكن من الأجدر أن تذهبوا لبحث سير المصالحة الفلسطينية؟

نتابع...

وقال عباس إن المصالحة الوطنية مصلحة فلسطينية عليا تسهم في دفع عملية السلام إلى الإمام من خلال توحيد الشعب الفلسطيني وتشكيل حكومة تكنوقراط تعيد إعمار قطاع غزة وتحضر للانتخابات القادمة.


المصالحة الفلسطينية.. حسنًا، المصالحة تسهم لدفع عملية السلام إلى الأمام من خلال توحيد الشعب الفلسطيني، والتحضير للانتخابات القائمة. أنا أعرف، أنتم لا تنظرون إلى المصالحة كدافع لعملية السلام، انتم تنظرون للمصالحة كرافعة للنضال الفلسطيني... أنا أعرف هذا جيدًا.
  
ولكن المصالحة تمت، ونكتشف الآن أن المصالحة التي أردتموها، ليست هي المصالحة الفعلية على أرض الواقع. أنتم أردتم مصالحة لتدعيم النضال، وها هم يعطونكم مصالحة لأجل العملية السلمية والتحضير للانتخابات القادمة!!!... ولكنكم في الوقت ذاته تحيّون المصالحة، وتقدرون الجهود... لماذا تقدرون الجهود إن كانت جهودًا تتناقض مع رؤيتكم السياسية، بما أن عملية السلام فشلت، والمفاوضات عبثية؟ هل يذكر الأمين العام للتجمع وهل تذكر السيدة حنين زعبي وتذكر قيادات التجمع كلها حين انتقدت وهاجمت الاعتصام لأجل إنهاء الانقسام، واتهمتنا، نحن الشباب، بأننا نريد أن ننهي الانقسام دون أن ننهي أسبابه؟ وأننا نخدم المصالح الفتحاوية-الاسرائيلية؟ وصدرت صحيفتكم بعنوان "عباس يريد إنهاء الانقسام" ؟؟ ما الذي حدث الآن؟ كيف انقلبت الآية؟ هل انتهت أسباب الانقسام؟ هل انتهى التنسيق الأمني مع إسرائيل؟ هل عُدنا لبناء منظمة التحرير واستراتيجية النضال الفلسطيني؟ هل ننتخب مجلسًا وطنيًا جديدًا؟ وهل أُطلق سراح الأسرى السياسيين؟ وهل تحررت الصحافة الفلسطينية من نفسية الانقسام وخدمة الطرفين المستفيدين من الصراع؟ الإجابة واضحة. نحن نريد تفسيرًا، ما الذي حصل الآن؟ لماذا تجلسون مع عباس وتناقشون المصالحة ما دامت تخدم عملية السلام العبثية وغير المجدية والمضرة بمصلحة شعبنا الفلسطيني؟ ما الذي حصل، نريد أن نعرف.
إنه ألف باء المنطق:
أكسيوما: عملية السلام تعني المفاوضات
أبو مازن: المصالحة تخدم العملية السلمية
زحالقة: المفاوضات تضر بالشعب الفلسطيني
شو منستنتج يا حلوين؟
(من حظي اني عملت مادة المنطق بالجامعة قبل مأشوف هذا اللقاء، وإلّا كان من إجري بنجح)

يلا...

 وقد شارك في الاجتماع عدد من قادة التجمع الوطني، بينهم رئيس الحزب واصل طه، والنائب د. جمال زحالقة، والقيادي د. محمود محارب، وأعضاء المكتب السياسي جمال دقة وأيمن حاج يحيى ومحاسن قيس ورياض جمال ومحمد نعامنة.

من الذي مثّلنا أمام رئيس دولتنا الموقّر؟ الرئيس واصل طه، ورئيس الكتلة البرلمانية جمال زحالقة.. جميل.. القيادي د.محمود محارب، ما الذي نعنيه عندما نقول"قيادي"؟ لماذا هذا القيادي لا يشغل أي منصب حزبي.. لا عضو لجنة مركزية ولا عضو مكتب سياسي؟ هل الماضي النضالي الذي نحترمه والبحث العلمي القيّم الذي يجريه د.محمود محارب يجعله "قياديًا" يشارك في وفد قيادة التجمع؟ وأعضاء المكتب السياسي؟ محمد نعامنة؟ أليس هذا الذي قال أن "الوطني لا تكتمل وطنيته إن لم يكن متدينًا"؟ ثم أيمن حاج يحيى كان يمكنه بكل سهولة أن يشارك في اللقاء ضمن الوفد المستضيف.
أين السيدة حنين زعبي؟ أين السيد عوض عبد الفتاح؟ لماذا لم يشاركوا في الوفد؟ علمًا بأنّهم لم يعارضوا اللقاء التاريخي في اجتماع المكتب السياسي، وكان من المفترض أن يشاركوا، وألغوا مشاركتهم في الوقت الأخير. لا تقنعوني أن الموضوع موضوع تكتيك "مستوى الوفد". عدم مشاركة النائبة زعبي والأمين العام لا ينقذهم من سواد الوجه، ولا يزيل عنهم المسؤولية، لا أخلاقيًا ولا سياسيا ولا إعلاميًا... كان من الأجدر باللذين تنصلوا من الذهاب إلى رام الله أن يرفضوا الزيارة في نقاش المكتب السياسي.
هكذا ، لماذا لم تأخذوا وليد خميس معكم؟
آه.. أوكي.. نسيت؛ ليس لديه ما يفعل هناك بعد أن فُصل توأمه.. محمد دحلان.

نتابع...
كما حضر الاجتماع عدد من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، كان بينهم عزام الأحمد ومحمود العالول وجمال محيسن ومحمد المدني وعباس زكي ونبيل شعث وعثمان أبو غربية.
طنجرة: لماذا لم تلتق قيادة التجمع بقيادة حماس أيضًا؟ ما دامها صايرة وصايرة...
غطاها: مهنّي بالسجون الإسرائيلية يا حمار..
طنجرة: مش كلّهم...
غطاها: الباقي بسجون السلطة.

وقال عضو مركزية "فتح" عزام الأحمد إن الاجتماع الذي عقد عقب اجتماع الوفد مع الرئيس محمود عباس، ناقش الأوضاع السياسية، خاصة المأزق الذي تمر به عملية السلام والخيارات الفلسطينية الأخرى في ضوء إفشال حكومة نتنياهو للمفاوضات التي ترفض وقف الاستيطان ووجود مرجعية واضحة للمفاوضات على أساس حدود عام 1967. 
يحرق رب عملية السلام شو خايفين عليها.. المأزق الذي تمر به عملية السلام!!! المأزق.. ممكن سؤال؟ وينتى كانت عملية السلام ميسّرة؟ إفشال حكومة نتنياهو للمفاوضات التي ترفض وقف الاستيطان. منفهم من هيك انه ع وقت اولمرت كانت الأمور سالكة والاستيطان واقف؟
ومرجعية واضحة للمفاوضات ع أساس حدود الـ67.
شوف خيّا، انه الجملة نفسها مش منطقية ومش راكبة صح، مشينالك اياها. بس طلّع، احنا عنّا مرجعية واحده، وقيادة الجماهير العربية في الداخل، بس بتخيّل مقالولكاش، فأنا بقلك، للشعب الفلسطيني في مرجعية واحده: نفسه وقراره، وللملاحظة، لما منقول الشعب الفلسطيني، بعيدن عنك، منقصده كله، بكل محل.
على أساس حدود العام 1967؟ سمعتها هاي في شي محل... وين.. وين.. وين.. وين..أوباما؟

 وأضاف، أنه تم بحث استمرار التنسيق المشترك بين التجمع وحركة فتح، وتعميق هذه العلاقة بما يخدم الأهداف المشتركة بينهما.
 رهيب، رائع.. أنا أقترح أن يكون الاجتماع القادم في الناصرة، ردّة زيارة.. لن يكون هناك أي مشكلة في دخولهم عبر الحواجز، فقد حدثتنا قيادات التجمع (ذاتها التي شاركت في الاجتماع) عن جماعات الـ VIP الساقطة.

وأكد رئيس التجمع، واصل طه (ولّعت!)، في تعقيبه على اللقاء مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن على أن التواصل الفلسطيني – الفلسطيني أمر هام، وأن اللقاء مع قيادة حركة فتح يأتي من هذا الباب وهذا هو الأمر الطبيعي.
 وقال "أبدينا في اللقاء دعمنا للجهود الفلسطينية السياسية الهادفة إلى إنهاء الاحتلال وإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني، المتمثل في إقامة الدولة المستقلةذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف، مع التأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
 وأضاف: "كانت الجلسة مع وفد اللجنة المركزية لحركة فتح جلسة صريحة ومجدية، وتم تلخيصها بالتأكيد على استمرار اللقاءات والتنسيق سويا في العديد من القضايا التي تهم شعبنا الفلسطيني".

حضرة الرئيس، هذه شعارات فارغة، عديمة المضمون، عديمة المعنى، ويمكنك أن تلقيها في حلقة انتخابية في بيت مسنين عاصروا تأسيس تركيّا الفتاة، ماشي؟  عن أي جهود فلسطينية لإنهاء الاحتلال تتحدث؟ ما هذا الكلام؟ الضفة الغربية أصبحت محمية طبيعية إسرائيلية يتنزه فيها الجيش الصهيوني كيفما شاء، ولا يستبسل أمن رئيسك أبو مازن (بما أنك فلسطيني) إلا لحمايتهم. عن ماذا تتحدث وأمن رئيسك الفلسطيني يؤمن دخول أعضاء الكنيست إلى "قبر يوسف" في مدينة نابلس!  ما هو ملخص الاجتماع؟ الاستمرار باللقاءات؟ التنسيق سويًا في العديد من القضايا التي تهم شعبنا؟ أوكي.
 إنه الكلام الذي تلتزم به في موقع عرب 48، سيدي الرئيس، فأنت تعرف ان الذين يقرأون عرب 48 لا يعجبهم الكلام الذي قلته في أماكن أخرى مثل موقع العرب، ولكن غاب عنك ان الذين يقرأون عرب 48، لا يمكن بسهولة الضحك عليهم بشعارات فارغة المضمون.  لقد قلت لموقع "العرب": 

"استعرضنا تاريخ العلاقات بين التجمع وحركة فتح وتطابقت وجهات النظر في التحليلات السياسية والمواقف السياسية"
تطابقت وجهات النظر ؟!
وأيضًا:
"لم نتهم الرئيس بالتفريط بالقضية وهذا تجنّي.."
لم نتهم الرئيس بالتفريط بحقوق الشعب الفلسطيني في أنابوليس؟ لم نتهم الرئيس بالتواطؤ مع قتل مئات الأطفال والنساء والشباب والشيوخ في غزة؟ لم نتهم الرئيس؟ ما الذي كشفته ملفات الجزيرة ورحنا نناطح السماء كأننا وجدنا مخترع العجل؟  وعلى ماذا بنينا حملتنا الانتخابية سوى على أننا لا نقبل بالتفريط، وأننا لدينا بوصلة! هاجمنا منافسينا أشد هجوم، وبحق كامل، وأنا واحد من الذين فعلوا هذا، ولا أندم للحظة واحدة، لأنهم كانوا يجلسون في أحضان أبو مازن في الوقت الذي يذبح فيه شعبنا في غزة. ونشرنا أعراضهم وراء تصريحاتهم المتنازلة عن حق العودة، وعن الحق بمقاومة الاحتلال، والتنسيق الأمني، والحياة مفاوضات.  هذا هو التجمع الذي أعرفه أنا؛ لدينا إذن حلّان، يا سيدي الرئيس.. إما أن أكون أنا منفصم الشخصية، وعشت مدة عشر سنوات من حياتي متوهمًا أني أنتمي لحزب يحمل هذه الأفكار التي أقولها، وإما أن أكون أنا وكثيرون مثلي قحبات سياسية تُحشى المواقف في مؤخرتنا على شرف لقاء الرئيس... لدينا هاتان الإمكانيتان، وفي كلاهما أنا مذنب، أما أنت سيدي الرئيس، فلن تكون مذنبًا أبدًا، فبوسعك أن تقنع عددًا كافيًا من المؤمنين بأن "الالتزام الحزبي فوق كل شيء" بأنهم لا يفقهون بالسياسة شيئا، وأنكم أدرى بمصلحة الحزب، وتولّف ردًا أكثر تركيبًا، لقضية هي غاية في الوضوح.  
نتابع...

ومن جهته، فقد أكد د. زحالقة خلال لقاء أبو مازن أن إسرائيل لا تريد حل الصراع بل إدارة الصراع، وأن المفاوضات معها غير مجدية وعبثية، وتضر بمصالح الشعب الفلسطيني.
هل كان اللقاء إذن لإقناع أبو مازن بالعدول عن العملية السلمية؟ نعم د.جمال، المفاوضات مع إسرائيل غير مجدية، عبثيّة، تمامًا كما هو هذا اللقاء. أبو مازن أيضًا غير مهتم بحل الصراع، بل  بإدارته، لا يمكن أن نتجاهل أنه المستفيد الوحيد من المونوبول الذي يوفره الغطاء الأمريكي والإسرائيلي لفتح لخنق شعبنا الفلسطيني.
لم يصدر تصريح النائب زحالقة إلا بعد النشر في موقع كل العرب، وأنا أثق بأن ما نشرته وكالة معًا غير صحيح، ولكن تأخر هذا الموقف يدل على شيء، يدل على أن الأمور ليست بهذا الوضوح، وليست بهذه الشفافية، ولا المباشرة. 
لقد ذهبتم الى اللقاء، وعدتم بمواقف متضاربة، غير واضحة، دون شفافية ودون مواقف مباشرة، لم تذهبوا لهدف، لم تعودوا مع هدف، لم تذهبوا مع برنامج، وأجندة، ذهبتم، فقط ذهبتم، وقال كلٌ موقفه، لا يستطيع أحد أن يجيب على السؤال "ما الذي ذهبنا لنقوله؟"، "لماذا ذهبنا؟".. لقد ذهبتم إلى السلطة بعد أن هاجمناها بشدة ودون هوادة، والآن تذهبون وتعود المياه إلى مجاريها؛ تجلسون على مائدة العشاء، أنت تثبت على موقف، وآخر يطريه.. أليس الأمر شبيها بصلحة عربية؟ كبرها بتكبر صغرها بتصغر؟ فما حدث هناك حدث، وعندما عاد الفتحاوي إلى قبيلته قال "اعتذروا لنا" وعندما عدت أنت إلينا قلت "ثبتنا على مواقفنا" لا يهم كيف تفهم الأمور، كل يستطيع أن يفهمها كما يشاء، ولكن الأمر الواضح أن اللقاء خلا من كل وضوح وشفافية وأجندة ومباشرة. لا أستغرب أن يكون الأمر شيئا ما يشبه الصلحة، فأجواء المخترة ليست غريبة على القسم الأكبر من أعضاء الوفد.

وأيضًا:
 وردا على سؤال عــ48ـرب، نفى زحالقة ما صرحت به مصادر مجهولة الهوية بأنه اعتذر، وقال العكس صحيح، فقد أكدنا في اللقاء على مواقفنا السابقة، لكن الظروف تغيرت بعد المصالحة ووقف المفاوضات والثورات العربية.

هل تنضم أنت أيضًا يا د. جمال إلى السخرية من عقولنا؟ بعد المصالحة ووقف المفاوضات والثورات العربية؟ ما علاقة الثورات العربية بأبي مازن؟ وهل يذكر التجمع فعلًا الثورات العربية؟ وإن تغيرت الظروف بسبب الثورة العربية، ألم يكن من الأهم أن تتغير أولًا على الصعيد النشاط الداخلي، والرؤية السياسية لحزبكم؟ وبشأن المصالحة، قلنا ما قلناه، وبشأن وقف المفاوضات... وقفها؟  بعد ماذا؟

ختامًا:

تستطيعون أن تقولوا ما شئتم، تشتموا كيفما شئتم، وتفعلوا ما شئتم، خسارة أنني لست عضوًا في الحزب ليطالب بعضكم بفصلي، لا يهم.. لا يهم..  لا أنتمي لكم، ولا لمكتبكم السياسي الهش، ولا للجنتكم المركزية. أنا أنتمي لبرنامج سياسي؛ أؤمن بالديمقراطية، وأعتبر رابط القومية العربية الثقافي وسيلة للتحرر من الإستعمار. من هذا، ومن صدق ليس فيه شيء من العابكم، انتزع شرعية الحديث والنقد والتهجم وحتى الشتم.

تحمّلون شبابكم لدعاية المؤتمر لافتة "إحنا التغيير".. استغلال آخر لموجة "التغيير" لأجل دعاية إعلامية لمؤتمر، ليس لدي مشكلة مع هذا، ولكن ما دمتم تعلمون أن التغيير هو أساس حاضرنا، كان من الجدير بكم أن تغيّروا في أنفسكم ورؤيتكم وصدقكم، لا أن تغيّروا مواقفكم. من الجدير بكم أن تفكروا كيف يمكن فعلًا ان يُصنع التغيير، ما الذي تغيّر عند شعبنا؟ ما الذي يتغيّر اليوم؟ وكيف ينبغي أن نتغيّر نحن لنساهم في تعزيز الحراك الشعبي نحو تغيير واقعنا الخرائي. كان عليكم أن تفكروا كيف تبلوروا حزبًا متميّزا، بدلًا من أن تكونوا حزبًا ينافس على المؤيدين المتبقين بين الحركة الإسلامية والجبهة، التغيير أن يتميّز الحزب في مواقفه، في صدقه، في صلابته، ليس في القضايا السهلة، بل في القضايا العسيرة. ليس في مواجهة العدو الخارجي، بل في مواجهة القمامة الداخلية، ليس في الشعارات الكبيرة الفضفاضة التي يُجمع عليها كل الأعضاء في كل الأحزاب، بل على المواقف التي تفصل، بين المستعد للنضال والتضحية وبين المتأسرل... تفصل بين التقدمي والرجعي...
إن الأمر الوحيد الذي بقي يميز التجمع حتى الآن، هو صلابة مواقفه في داخل البيت الفلسطيني ووضوح رؤيته بشأن عمالة السلطة الفلسطينية وخيانتها لقضية شعبنا، وها أنتم تتنازلون عن تميزكم الأخير... فإما أن تبحثوا عن طواقم إعلامية جيدة وتفتتحوا دورات فن الخطابة لتتجهزوا للانتخابات القادمة.. وإما أن تبلور الأقلية في المكتب السياسي رؤية ثورية تجنّد الشباب ولا تنقذ بها ما تبقى من حزبٍ انتخابي، إنما تنقذ بها الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل.


الأحد، 5 يونيو 2011

محمد بركة، بالمقلوب


كل حياتها الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة تقلّب شعارات... بس مش للدرجة  :) 
انظروا الشعار في يد محمد بركة.. 


الاثنين، 9 مايو 2011

حين تقلب الآية الآية/ مجد كيّال



كان الذهول أصفرَ شديدًا قاتلًا، في ساحة السوق، حيث اتضحت السيرة الكاملة. يبتلعُ القربان ريقه بالرغم من رغبة بصقٍ مُلحّة يثبّطها الرعب. كأنّه يعرف: عليَّ باللمح الأخير، فقد اقترب فوات الأوان مني مترين طويلين. فيُطلق عينيه لمحيطٍ يروي له السيرة.


يٌطلق القربان عينيه نحو محيطٍ يُسلسل الحدثَ، فيصدّق الحدسَ: ساعي البريد الثرثار صامتًا. باعة السوق نسوا أيديهم محشوة في بسطة الكرز. أبو عايدة يقوم عن الرصيف. سيارات التاكسي توقف العدّاد. نساءٌ منقبات يخبئن أطفالهن تحت القماش الأسودِ. نساء غير منقبات يختبئن. رجال الحاج نمر يحفظون الأمن في على مدخل السوق. سيارة سوداء عند طرف الشارع. مئذنة مسجد عُثمان منهكة بعد صلاة الجمعة. حاشية الشيخ يامن. وجه النهاية مشرّع للهواء دون لثام. القدر يبدل يدا مشدودة في الهواء يُتعبها ثقل المسدس الحديدي، فيحمله باليد اليمنى. ميزة خاصة بإستبدال السبابة بالوسطى، في ضغط الزناد. وتتضح السيرة الكاملة.

*

كان الحسم أسودَ شديدًا قاتلًا، في ساحة السوق، حيث تمت السيرة واضحة. يتمهل الشاب غير الملثم بنقل المسدس إلى اليد اليُمنى بالرغم من رغبة ضغط الزنادة الملحة، تثبطها رغبة الإجهار. كأنه يعرف: عند الحركة الأولى سأسدّد، فيقترب التطهير الإلهي منّي مترين قصيرين. ويُطلق عينيه للقربان عبر الذاكرة.

يطلق الشاب غير الملثم عينيه نحو القربان عبر الذاكرة، فيحسم: يرى أصابعَ تكتب عريضة مساندة عمّال البريد. يمعن النظر بكفة يدٍ فلاحية. يحن إلى ذراعٍ سندت أبا عايدة في ليالي "سنة الثلجة". يبتسم لكتفين صغيرين يتقلصان في زحمة السيرفيس: إلى المدينة حاملًا رسائل لمكتب الحزب، من المدينة يحمل نسخًا من "البيان الشيوعي". يسخر من خصر نحيف يهز: "قُل للمليحة بالخمار...". يحاكي عنقًا يلتفت إعجابًا عند مرور الجميلةِ العذراء. يتأمل صدغ تعرق غضبا على تشغيل الحزب للحاج نمر في الإنتخابات. يهادن جفني عيون سود يرفان ببطئ شديد. يتذوق لعاب مبصوق على الرصيف المحاذي للمسجد. يتردد ذهنه صوت ذاكرة المهرجان: "حاربوا أفيونكم!". وينظر إلى القربان مطولًا ويستمتع بثقة: "الآن سيعرف من أنا.".. يشد على المسدس باليد اليمنى. ويجهّز أصبعه للضغط؛ ليتمم السيرة بوضوح.

*

أراد القربان أن يهتف بوجه النهاية: "ولا، احترم نفسك يا ولد، ترفع مسدس بوجهي؟"... لكنه عرف الحقيقة كاملة: الأساطير الحمراء لم تعد مجدية.. لا عن الثورة، ولا عن ليلى. فقد صار الانتصار بكفة اليد الأخرى التي انتصرت على جهته، وانتصر خضار السوق على أحلامه الحمراء... والشاب -غير الملثم- الذي يقف أمامه، وبعد جرعة زائدة من الأفيون، بات يعرف حقيقة أخرى أقرب وعدًا للخلاص، أسهل للإدراك.

"كل شيءٍ ثابت" قال الشاب غير الملثم في نفسه: "كل شيء ثابت ينظر إليك عاجزًا، وحدك القادر على الحركة. امرٌ غريب، ها؟ نعم، بعد عمر تحرك فيه كل شيء وبقيت انت جامدًا في التعابير ذاتها، تُقلب الآن المسائل. نحن اللذين نقلب الآية، بالآية. ساعي البريد، باعة السوق، أبو عايدة، الاطفال، والجميلة التي وحدك من يظنها عذراء... كلهم سلّموا لي قدرك... فهم يعرفون من يبدّل هنا الأقدار، وهم يعرفون كيف تحرك الآيات أصبعًا فوق الزناد فتقلب آية الحيّ والميّت..."
"لا بد أنه حلم" قال القربان ثم خطى خطوة واحدة للأمام.

*

إنصرفت حاشية الشيخ يامن، ولم يستعجل الشاب غير الملثم الفرار في السيارة السوداء تحت حماية رجال الحاج، إنها رغبة الإجهار. وغرقت جثة القُربان بالأحمر: كان الحسم مذهلًا، شديدًا، قاتلًا.


(القدس)


:)



وعندما استيقظت في اليوم التالي، وجدت التالي: 


"شو المشكلة، شو القصة. فش مشكلة وفش قصة. كمان دور سكران، ولما أنا أسكر الحب بفقد كل معنى انساني، وبصير اشي جنوني سايب وابن عرص يطير بالهوا ويحرق ديننا بالهوس المر اللذيذ الي بيخلي شفافنا تبرق بريحة مربّى توت عاملينها اسرى سجن شطة، مش  سجن الجلمة، شطة."


*مدونتي العزيزة: متأسف إني عم بختفي، ومش عم بكتب، بس بتبقي "مدوّنة"، أنثى.. وبقدرش إلا مأختفي. 







الجمعة، 22 أبريل 2011

لذكرى فيتوريو| كُن إنسانًا...

إفتتاحية مدوّنة فيتّوريو آريغوني إنها حرب العصابات ضد سجن الوعي. ضد فساد الإعلام. ضد نفاق البرجوازية. ضد خنق الوعي غير المغفور. إنه الشوق للحقيقة قبل كل رمق. إنه إزالة الهم باتجاه تفكيك الحلول القائمة، ووأد الأفكار المسبقة وبودرة السطوة السوداء في أنوف المعارضة المأزومة.. إنها الوجبة الشرهة العارية النيّة المُرّة بما فيه الكفاية، لئلا تُهضم.


|كتابة وترجمة: مجد كيّال|


أسوأ الحالات، هي الحالات التي تقترب فيها من المدح البطولي والملحمي بقوالب كليشيهات أكل عليها الدهر وشربها شعبنا. وأسوأ الحالات أن تكون أسير حالة هي أكثر حقيقة وصدقًا من كل ما اعتدنا عليه في واقعنا المعطوب. وعندما تفتح كتابًا يُقرأ في سياق حدث يخلد الكاتب، فيسبق الكاتب مخطوطته بخطوات، يمكنك أن تقع في نموذجين من الحالة السيئة المذكورة: الأولى، أن نبدو كاذبين حين نعرض موضوعًا يحمل قدرًا من الصدق والتفاني غير الاعتياديين، فنبدو فاقدين موضوعيّتنا حين نعرض واقعًا مغايرًا لا يطابق الواقع المريض الذي نعيشه. أما الحالة الثانية، فهي أن يكون حجم الحدث، فعلًا، قد أرغمنا على تناول المكتوب بتقديرٍ يهمّش الانشغال بالتفاصيل مهما كانت سيئة وبالنقد مهما كان جديًا. أما في حالة كتاب "غزّة: كُن انسانًا" فأنا أعترف أن مزيج الحالتين المذكورتين سيجعل المهمة أصعب بكثير.
لا يمكن لأي من الكتب، ولا سيما كتاب مذكرات فيتّوريو آريغوني في الحرب على غزة عام 2009 "غزة: كن إنسانًا"، أن يُفصل عن المؤلف بالنقاش والنقد والتحليل، خاصةً وأن شخصية الكاتب تترك أثرًا خاصًا في مثل هذا الكتاب لارتباطها الوثيق بكل الشخصيات ووجودها في المركز الأحداث المذكورة.
تأثير شخصية آريغوني على هذا الكتاب هو تأثير استثنائي لأسباب عدة، أولها أننا في القراءة ما بعد اغتيال آريغوني، نستطيع أن نميز بوضوح شخصية محورية مختبئة وسط قصص غزة، إلا أنها دون أن ننتبه، هي الأكثر بناءً والأكثر أهمية في كل ما يدور. وحين يصبح المؤلف جزءًا من النص، لا بد أن يعرض حالة استثنائية تبرر وجوده، وحالة آريغوني، استثنائية بالفعل.
يصعب جدًا تمييز آريغوني عن أي من سكان غزة. ها نحن نقرأ ونقرأ، ونفشل، ولو للحظة واحدة، أن نلمس حالة اغتراب، ولو واحدة، بين الكاتب والمكان الذي يكتب عنه. هذا التمسك القوي بالـ"نحن" والتحدث باسم الناس كمن يتحدث باسم نفسه، وقطع العلاقة التامة - والذي يتعدى الاغتراب- مع الهوية الشخصية البسيطة كشخص إيطالي ومتطوع كان يمكنه ألا يكون في هذا المكان، هذا كله ليس شأنًا طبيعيًا. يبدو آريغوني وكأنه يتحدث عن نفسه في هذا المكان كجزء من الصورة منذ ولادتها، فلا يعتبر نفسه ضيفًا ولا إضافةً على الصورة القائمة، إنما كائنًا من مكوناتها الطبيعية. والاجمل، أننا نلمس هذا الانسجام التام بالواقع الفلسطيني في غزة بعيدًا عن أي ابتذال، وبعيدًا عمّا تعودنا عليه من رغبة الاشتراك بالمصيبة عبر إعطاء قيمة لأحداث عديمة المعنى لمجرد ارتباطها بضحية المصيبة. آريغوني يقدم لنا ارتباطًا صادقًا بالمصيبة، يعترف هو ذاته ببساطته، فعلاقة شراء السجائر أو علاقة الـ"سلامات" للشهداء الأًطفال والعلاقة بمعجون الأسنان والتبغ خلال المجزرة، تملك معنى آخر. معنى يحافظ على صدقٍ إنساني، يضعه في التفاصيل الإنسانية المرهفة لصور الفاجعة، تفاصيل المجزرة، ووجوه الشهداء في مستشفى العودة ومستشفى كمال عدوان، ثم يرميه في الفقرة ذاتها إلى تحليل سياسي ينم عن معرفة سياسية تبدأ بمقارنة استعمال الأسلحة المحظورة بين حرب بيروت ومجزرة غزة وتنتهي بنقاش ما يُكتب في "هآرتس" و "الغارديان" مرورًا بأوباما يلعب الغولف أول أيام المجزرة. ثم ليعود آريغوني إلى التفاصيل الصغيرة ليقدم أسلوبًا صحافيًا تقريريًا غاية في المهنية، وهكذا، من بداية الكتاب حتى آخره.
تتضح في كتاب آريغوني بوصلةً سياسية واضحة، نلمس في التحليل وفي تفاصيل المذكرات وضوحًا خارقًا في الرؤية وانسجامًا تامًا بالرغم من كل التناقضات الكامنة في علاقة فيتّوريو اليساري، ابن العائلة الشيوعية، بالحالة الغزيّة التي تهيمن على مشهدها السياسي حركة مقاومة إسلامية. كما يتمكن الكاتب من عرض الانسجام التام بين المقاومة والناس، مبرزًا الحق في المقاومة ومبرزًا وحشية العملية الإسرائيلية دون أن يقع (في معظم الأحيان) في مطب المدنيين ومطب الأوضاع الإنسانية في غزة، فلا ينسى ما ينساه الكثيرون منّا؛ أن قضية غزة هي قضية تحرر، وليست قضية أوضاع معيشية صعبة في ظل الحصار. كما يلمس قضية الوحدة الوطنية بين فتح وحماس دون أن يتعمق فيها، إنما يشير إلى وعيه التام لها.
يتمسك آريغوني في كتابه بالشعار: "كُن إنسانًا"، إنه توقيعه في كل يوم مذكرات. ويردف آريغوني الشعار في أحد الفصول بالشرح، فيربط "أن تكون إنسانًا" بالانتماء إلى "الوطن الأصلي" و "التعبير عن الهوية والحق في السيادة". إن هذا الشعار يقدم نموذجًا لا يبالغ في بطولة الفلسطيني ولا يحوّله إلى كائن لا يعرف غير القتال والسياسة، وفي الوقت ذاته لا يحوّله إلى ضحية ضعيفة ذليلة تتوسل اعتبارها جزءًا من الإنسانية.  بل نموذج إنسان ينتزع إنسانيته بأظافره، فتولد صورة تدمج بين البطولة الفلسطينية في الحرب على غزة، وبين التفاصيل الإنسانية الجميلة بضعفها وانكسارها وتمردها ودموعها وانهيارها وغضبها. نلمس تفاصيل صغيرة مثل ممارسة الجنس تحت القصف، وبالوقت نفسه نلمس وصفًا ملحميًا عظيمًا مثل القول بأن ساحات غزة تتفوق في "جحيميتها" حتى على كوميديا دانتي الإلهية.  
وضع كتاب "غزّة: كن إنسانًا" باللغة الإيطالية في العام 2009، ثم صدرت الترجمة الإنجليزية في العام 2010 بتقديم المفكر إيلان بابي تحت عنوان "Gaza: Stay Human" عن دار "Kube" للنشر. يقع الكتاب في 130 صفحة من القطع المتوسط.


اقتباسات من كتاب "غزّة: كن إنسانًا"

*صحافيون كُثر يسألونني في المقابلات عن أوضاع الفلسطينيين الإنسانية في غزة، وكأن المشكلة هي مشكلة أكل وماء وكهرباء ونقص بالوقود، بدلًا من أن يهتموا بالسؤال الحقيقي: من الذي يسبب كل هذا عبر إغلاقه الحدود وتفجير أنابيب المياه ومحطات الكهرباء؟


*كنّا نرى جثث الحيوانات والبشر يختلط دمها في جدولٍ يسيل على طريق الإسفلت
*لدي كاميرا لتصوير الفيديو، لكني اليوم اكتشفت كم انني مصور سيء، لا أستطيع أن اجعل نفسي أصور الجثث المهشمة ولا الوجوه الباكية. أنا لا استطيع، لأني سرعان ما أبدا بالبكاء.

*ولكن عندما يبدأ هطول القذائف من السماء عن ارتفاع 10 آلاف مترًا، يمكنك ان تتأكد أنها لن تميّز بين علم فتح وعلم حماس المعلق على شباك بيتك.

*انفجرت القذيفة هناك، وأبو محمد، الممرض، أصيب بإصابة بالغة في رأسه. فقط قبل دقائق أمام المقهى كنت أستمع إلى القصص البطولية عن أبطال أبو محمد، قادة الجبهة الشعبية: جورج حبش، أبو علي مصطفى، أحمد سعدات. أذكر أن عينيه التمعت حين قلت له أني بدأت أفهم حجم الكارثة بالنسبة للقضية الفلسطينية عبر والدي الشيوعيين بالوراثة. سألني من هو الثائر والقائد الحقيقي لليسار الإيطالي، أجبت: "انطونيو غرامتشي".

*دانتي اليغييري لن يمكنه أبدًا أن يتخيّل دوائر بـ"جحيمية" الأقسام الملعونة في مستشفيات جباليا. قوانين العدالة الإلهية تنقلب على رؤوسهم: كلما كانت الضحية اكثر براءةً، قلت احتمالات نجاتها من الاستشهاد تحت القصف.

*في عيون إياد، أرى القنابل الأمريكية، لكنها أيضًا تحمل طوابع حسني مبارك، الدكتاتور المصري

*"إنها ليلة السبت، الأزواج الشابة في تل ابيب تخرج وتلهو في النوادي الليلية والشواطئ. في هذا الوقت، هنا، نحن لا نستطيع حتى ان نمارس الحب في فراشنا..."

*في غزة، فقط الأموات هم من رأوا نهاية الحرب.         

الجمعة، 8 أبريل 2011

جوليانو: المونودراما الأخيرة/ مجد كيّال





|مجد كيّال|

شمس الظهيرة لا تخترق قاعة المسرح أبدًا. في التحضير لمراسيم الجنازة، نستعجل للمساعدة في أداء أيّ عملٍ، مهما كان تافهًا؛ إنه العجز. فنحن نكفّر عن ذنبنا من المصيبة الكبرى بتحضير القهوة المُرّة؛ إنه العجز.
يشترك الممثل والمخرج والتقني والكاتب في التحضيرات، يهمّون بتنظيف خشبة المسرح بالطلاء الأسود، ثم ينضمّ إليهم المشاهد، أنا، فتجتمع أركان المسرح على خيبتها. أضغَط الفرشاة المستديرة على طرف الخشبة الأيمن، وأمشي معها نحو الطرف الأيسر، يمسح اللون الأسود أشياءً كثيرة. يمسح اللون الأسود الخشبة، والخشبة أشياء كثيرة:
كم مسمارًا لتثبيت الديكور أمسح بالأسود؟
كم جرحًا في الخشب من ضربة سكين أو كسر جرةٍ أمسح بالأسود؟
كم حذاء جندي وطبيب وكعب زانية وكفة قدم أرملة أمسح بالأسود؟
كم قصة ولدت وانتهت لتحكي أحلام الممنوعين من الكلام أمسح في ضربة الفرشاة السوداء الواحدة؟
كم كذبة طعنت الناس بالحقيقة أمسح في ضربة الفرشاة السوداء؟
كم وهمًا ثائرًا في وجه الحقيقة الخانعة أمسح في ضربة سوداء؟
كم مسرحًا مَسَحَت هذه الضربة؟
الآن، صار المسرح جديدًا، مسحنا عنه كلّ شيءٍ، صار أسودَ خالصًا، مطلقا. صار المسرح الآن، جديدًا، وينتظر أمرًا جديدًا، مغايرًا، ينتظر تابوت الفقيد، وأشياء أخرى كثيرة. هذا الموت، فتح صفحة جديدة.
“انتهينا من الإضاءة، بقي أن نحضر الورد الذي سيحيط النعش، ثم نخبر الشباب المنظمين أين مكان كلّ واحد منهم. لا نريد أية فوضى في القاعة. يدخل الناس، يودّعونه، إما أن يجلسوا في القاعة أو يخرجوا من الباب الآخر. هكذا نكون مستعدّين ليوم الغد”- قال الممثل.
إنه درس المخيم: أن تصنع المسرح بكامل حذافيره، مهنيته، احترافه، في الوقت الذي يطرق فيه الموت باب بيتك، فتقول له: “انتظر حتى ننتهي من المراجعات.”
أقف عند الباب الجانبي للقاعة، لأدلّ المودّعين على طريق الخروج من القاعة. معظمهم يبقى جالسًا في القاعة بعد إلقاء نظرة الوداع، صامتًا، مكسورًا. طريق الخروج الجانبي هو ذاته الطريق العامّ المؤدّي من محطة الميترو إلى مبنى المجمع الذي فيه المسرح.
من أول الطريق تسمع صوت العجوز الأشكنازية تجرّ قدمها وراءها وتلهث عاليًا. عندما وصلت منتصف الطريق، عند باب المسرح الجانبي،  وقفت لتستريح، وتلقي نظرة إلى ما يجري في قاعة المسرح: خشبة غير مُضاءة، وسطها تابوت واحد مضاء من زواياه الأربع، مقابل كل زاوية يقف ممثل جامعًا أصابعه العشر مطأطئًا رأسه وعليه يُسلط ضوء واحد، في الديكور صورة عملاقة لرجلٍ يبدو أنه عارض محترف، أما الموسيقى فكلاسيكية خافتة. الجمهور يجلس صامتًا، متأثرًا بالأحداث والحبكة. يتعاطف كاملًا مع البطل.
“المسرح.. المسرح.. آه على أيام المسرح وبرلين.. برلين برلين.. البارات، مارلين ديتريش، حفلات الجنس، الرحلة اليومية عبر شارع شتراسة والمسرح.. المسرح المسرح.. كان مسرحنا هو الأجمل…”- فكّرت العجوز في نفسها.
تتذكر العجوز، ثم تصفعها ذكريات معسكر “تريبلينكا” والحضيض المُرّ الذي تعيشه منذ وصلت حيفا. تنظر العجوز إلى المسرحية؛ هي لا تعرف أنّ بطل المسرحية مثلها، قبل أن يدخل إلى دوره في التابوت بسنوات، وبعد أن هربت هي من ألمانيا بسنوات، كان قد وضع على صدره شارة النازية الصفراء، في المظاهرة الاحتجاجية ضد مجزرة مخيم جنين.
تنظر العجوز طويلًا وتنتقل بين المشهد الذي أمامها وذكريات برلين: لا يمكن لهؤلاء العرب أن يكونوا بهذا الإتقان، لا يمكن لهؤلاء الرعاع أن يكونوا مسرحيين بهذا الشكل. ثم سألتني بصوت خافت: “هل هذا حقيقي؟”
“هل هذا حقيقي؟” يا للسّؤال وإمكانياته. هل حقيقيّ أنّ المسرح يمكنه أن يكون محبوكًا، مُحكمًا مثيرًا إلى هذا الحدّ؟
وهل يمكن أن تكون الحقيقة درامية إلى هذا الحدّ؟ هل حقيقيّ أنّ الأمور بوسعها أن تختلط إلى هذا الحدّ من الجنون؟ أن يصبح الممثل والمخرج هو الحدث والحدث يصبح ساكنًا والحركة تصير جمهورًا. هل حقيقيّ أنّ هذا الرجل، بعظمته على الخشبة وبساطته في زاوية البار، غابَ؟
قصة ولادته، ثم لماذا تجنّد للاحتلال، ثم كيف عاد إلى صف القضية، ثم ما أنجز، ثم انقلابه، ثم ما دار في المخيم، ثم عودته للمخيم بعد المجزرة، ثم عودته للمخيم ليبني المسرح، ثم ما اجترحه هو، بالناس للناس عبر المسرح، من معجزات. لا يمكن لأيّ كاتبٍ أو مخرجٍ أن يخلقها. هذه القصة، لا يستطيع أيٌ من الكتبة أن يرتقي إلى حدّها. مثل هذه المسرحية، لا يمكن أن ينجزها أيّ واحدٍ منّا- إلا جوليانو. هذه المسرحية أنجزها واحد منّا، هو جوليانو.
نسأل عن القاتل، إنما دون علاقة للانتقام، دون علاقة برغبة تصعيد. التصعيد المنتقم لا علاقة له بهوية القاتل ودوافعه، إنما بضرورة استمرار الرسالة. فالانتقام الآن انتقام ممن يخلق فنًا لا يصفع الضمير. الانتقام من مسرح لا يعرّي الناس ويخنقهم حتى يستفرغون ما فيهم من قرف. الانتقام من أدب لا يدوس وجه الواقع.
لقد مسح جوليانو المسرحَ بالأسود، مسحَ عن المسرح خطايا الماضي. فتح له صفحةً جديدة لا قيمة فيها إلا للفنّ الذي يرهن له المؤلف دمه. فإن لم يوجّه قتلة الأجساد والأنفس نيرانهم صوبنا، يبدو أننا لم نزعجهم بعد.
لقد مسح جوليانو المسرح بالأسود، مسح عن المسرح خطايا الماضي. فتح له صفحةً جديدة فيها الحقيقة ذاتها قمة في الدراما، ولا قيمة لنا إن لم نستطع تكثيف الحقيقة، والتفوّق عليها، بالدراما.
لقد مسح جوليانو المسرح بالأسود، مسح عن المسرح خطايا الماضي. صفحة جديدة فيها الوقوف في هذا التحدّي، شرط أن يُشفع لنا، والتكفير عن المصيبة الكبرى بأكثر من قهوة مرّة، فنحن لسنا عاجزين.
“تويست” قال الكاتب حين علّمنا كيف تُصنع الدراما. “نحتاج هنا إلى تويست”- قال. نحتاج حدثًا غير متوقع يقلب الأحداث رأسًا على عقب؛ أن يُقتل جوليانو بأيدٍ فلسطينية. هنيئًا لمدارس المسرح بهذا الـ “تويست” المُطلق.
عندما نزل عن خشبة المسرح، صفّق الجمهور تصفيقًا حارًا.
(حيفا)