القول الفصل

القول الفصل

الخميس، 3 مايو 2012

مما وجب التذكير؛ حول الثورة السورية المجيدة

  مجد كيّال





"أبناء الريف اليوم يبنون مدينة الغد:  مثل شيخٍ جليلي يذوب تحت الشمس فلاحًا ليعلّم ابنه -المغترب عن الأرضِ- في جامعة المدينة..."







علينا أن نتذكر، أن إسقاط نظام الأسد ليس ماهية الثورة السورية، بل نتيجة مترتبةً عنها. أن نتذكر أن ماهية الثورة هي إسقاط وكسر سنوات وسنوات من الخوف والخضوع والضعف الإنساني.


علينا أن نتذكر أنه من الواقعي أن تتسلم الحكم في سوريا قوى إسلامية ظلامية باطشة وتخنق سوريا طاغيةً، وأنه من الواقعي أن تحكم سوريا قوى نيوليبرالية متواطئة مع الإستعمار تبيع سوريا خائنةً. وهذا التذكير ضروري لكي نجزم ونحسم الأهم الآتي:


أن هذه الثورة إذا ما انتصرت، فإن الشعب السوري سيهزم كل طاغيةٍ يأتي، وأن السوريين سيعيشون مع ذاكرة انتصارهم على مأساتهم، فيلاحقون النظم القادمة، مهما كان شكلها، ويهزمونها إذا ما أظهرت علامات تذكّر بالماضي الأليم. وأن هذه الثورة، إذا ما انكسرت، فإن الشعب السوري سيعود إلى كهفه لسنوات طويلة، ولن يرفع رأسه حتى لو عاد هنري غورو إلى ميسلون...


وعلينا أن نتذكر، أننا من تأخر عن دعم الثورة السورية، وأننا من تساهل ومن "انتظر ليرى ما الذي سيجري"، وأن الشعب السوري انتفض لأشهر ونحن ننتظر وننظر إليه؛ لنتذكر أن اليسار ظل عالقًا في خيبته، والحركة القومية ظلت عالقة في ملامحها الفاشية.. وأنه حتى ممن يقفون اليوم ضد النظام كانوا في الأيام الأولى للثورة يقولون بالإصلاح بدلًا من الوقوف موقفًا ناريًا ضد النظام إلى جانب الناس. علينا أن نتذكر أنه في الوقت الذي انشغلنا نحن فيه بخيباتنا، كان في الغرب من سارع باستخلاص العبر من الثورة التونسية والمصرية واستغل الفراغ ليبني رجالاته في "الصفوف الأولى" التي تمثل الثورة...


علينا أن نتذكر، أنه من السخيف والمضحك أن يطلب الإنسان من أعدائه الانتظار؛ "لا للتدخل الأجنبي"... بل تقطع عنهم الطريق بأن تشغل الحيّز وتملأ الفراغ الذي منه يستطيعون الدخول والتدخّل...


وعلينا أن نتذكر، أن "السلمية" ليست هدفًا منزلاً، إنما وسيلة تلائم أو لا تلائم المكان والزمان. وأنه لا يجوز للثوريين التنصل من تراث الثورات المسلحة وأدبياتها، كجزء يشكل تاريخ مقاومة السلطات والاستعمار تمامًا كما يشكلها النضال السلمي. فالمعنى ليس بنوع السلاح -المولوتوف الجيّد قد يقتل أفضل من المسدس- بل هي في دوافع من يحمله، وفي إخلاص من يحمله، وفي مصدر هذا السلاح...


وعليه، فإن التحدث عن السلمية إن لم يكن في إطار النقاش حول وسائل الثورة، إن لم يتضمن اعترافًا بحق المظلوم على اختيار أي وسيلة للدفاع عن نفسه، إنما هو خضوع لدعاية برجوازية عقيمة تقول باحتكار القوة في يد النظام السائد.


وعلينا أن نتذكر، أن المظاهرات التي لا ترفع شعار اسقاط النظام بشكلٍ واضح في دمشق، وأن الشعارات الـ"خفيفة على القلب والخاصرة" التي يرفعها جزء من الشباب الثوري الذي لا زال يخوض عملية كسر حواجز الخوف، بـ"وقف القتل" وبـ"كلنا سوريين" و"ضد الطائفية" وتوزيع الورود... هي مرحلةً طبيعية ومطلوبة ولا يمكن المزاودة عليها؛ لكن من يخوض هذه المرحلة في شوارع دمشق أو غيرها من المدن، عليه أن يعترف ويتذكّر: أن هذا الهامش الذي ينشط ضمنه لم يكن قائمًا قبل عامين، وأنهم لو وزعوا الورود مع بطاقة تحمل كلمة "حرية" قبل الثورة، لغابت آثارهم قبل أن تُلتقط صورهم


علينا أن نتذكر، أن أبناء الريف الذين يطرقون جدران الحديد بعنف، يزيدون الاحتدام ويرفعون السقف ويحرجون النظام ويحاصرونه، إنما هم الذي يفسحون المجال للنشاط بشكله الذي نراه في دمشق


علينا أن نتذكر،  أن الثورة السورية هي ثورة في طور الولادة، وتحتاج سنوات من التغييرات الاجتماعية والسياسية لتصل إلى إمكانيات البلوغ الثوري كما في النموذج التونسي. إن الثورة في سوريا لا تأتي من قلب المجتمع المدني السوري، بل هي ثورة لأجل بناء المجتمع المدني الذي منه ستنطلق ثورات وحراكات سياسية قادمة بأشكالٍ أكثر ورديّة...


علينا أن نتذكر، أي أن نعترف، بأمر واحد هو المركزي: أن أبناء الريف السوري اليوم، يكتبون لنا- نحن شباب النخبة- حياتنا المدنية، يكتبون لنا المدينة، يبنون لنا الحيّز الذي فيه سنمارس السياسة، ونمارس الرأي، ونمارس التظاهر ونمارس الصحافة ونمارس الحزبية ونمارس الانتخاب.


علينا أن نتذكر أن أبناء الريف اليوم يبنون مدينة الغد:  مثل شيخٍ جليلي يذوب تحت الشمس فلاحًا ليعلّم ابنه -المغترب عن الأرضِ- في جامعة المدينة...

هناك تعليقان (2):

  1. بحبك بس تكتب أدب. بكرهك بس تكتب سياسة بأدب (تأديب السياسة مش هو نفسو تسييس الأدب). وغير هيك ملاحظتين:
    -النص فوقي واستعلائي والحلو فيه انو فوقي واستعلائي
    -واحد من ثنين: يا إما مش فاهم السلمية كثير منيح (وهذا شي طبيعي وعادي لأنو نحنا عرب وهوايتنا فصفصة البزر جنب النهر وترك القشر ورانا لو شو ما حاولوا يقنعونا)، يا إما أنت مش فاهم السلمية كثير منيح (وهذا شي طبيعي وعادي لأنو نحنا عرب وهوايتنا فصفصة البزر الخ الخ الخ)

    يسلم قلبك الحلو.
    (ماتيلدا)

    ردحذف