القول الفصل

القول الفصل

الجمعة، 23 يوليو 2010

في ذكرى ثورة يوليو: ملاحظات للتفكير.




يقضي المعنى الحرفي لـ"إحياء" الذكرى إعادتها للحياة، وإعادة الحياة للذكرى يقضي بالضرورة وضع الأسئلة الآنية المواكبة لحالنا السياسية الآنية، بقالب حال ثورة الضباط الأحرار وفترتها. ثورة الضباط الأحرار تفرض علينا مهامًا متعددة الجوانب تبدأ بالدراسة التاريخية النقدية والإستفادة من دروسها من جهة وتنتهي بمهمة تصدير معنى الثورة للأجيال القادمة التي لم تعايش تلك الحالة، وتثبيتها كمحطة تُقارن بها الخطوات السياسية ليس فقط في إطار البحث العلمي والأكاديمي السياسي، إنما أيضا في إطار العمل السياسي. من كل هذه الجوانب وجوانب أخرى مغايرة، علينا ربما طرحها في إطار الحديث عن الثورة، كمادةٍ للتفكير على الأقل، وكموضوع بحثٍ علمي ودرس سياسي.

أولًا، لقد عرفت الثورة أن هناك أدوارًا ومواقع سياسية واجتماعية أخرى يمكنها أن تساهم في تحقيق مبادئ الثورة وآمالها، إلا أن ثورة يوليو تعلمنا أن هذه الأدوار والمواقع كلها ثانوية ولا ترتقي لمستوى مبادئ التحرر الوطني والقومي، وأن آمال تحرير الناس تقتضي بالضرورة التصويب المباشر بإتجاه حكم الدولة.

إن الدولة عامل ذات أولوية، والسياسة هدفها الحاد هو شكل الحكم. لذا، فإن المنخرطين بأوهام المجتمعات المدنية العربية والأحزاب التي استسلمت لتغيير شكل النظام وانشغلت بالتفاصيل الإنهزامية عليهم أن يفهموا، أن التصويب بإتجاه حكم الدولة، أي تغيير شكل الأنظمة القائمة، هو ضرورة حتمية لأي حراك سياسي يعتبر نفسه حاملًا لرسالة الديمقراطية وتحرير الناس، كي يُعتبر جديًا، صادقًا ووفيًا لآمال الناس.

ثانيًا، من النقطة السابقة علينا أن ننتبه، إلى أن المد العالمي لنضالنا ضد الهيمنة الإستعمارية في وطننا العربي، عليه أن يرتبط عالميًا بالأماكن الصحيحة والسياق الصحيح. ليس في سياق قضايا محدودة أو أهداف متنكرة بزي الوسطية المقبولة على الغرب. إن وضع النضال في سياق القضية الحقيقية، قضية القضاء على الهيمنة الغربية، هي القضية الجامعة التي تُبنى على أساسها دوائر التضامن العالمي المتبادل.

إن هذا التضامن العالمي المتبادل عليه ألا يقع أبدًا في مطب الحاجة إلى "أحرار الغرب" والتوسّل والإلتزام برؤية ليبراليي الغرب لأجل القضاء على واقع هم نتيجته، بل إلى تكاتف مؤازر متبادل بين دولٍ يجمعها هدف التحرر هذا وتجمعها القضية ذاتها.

انشغالنا في التوسل أمام دوائر مؤسساتية صغرى في الغرب بدل التكاتف مع الدول التي تحاول مناهضة الإستعمار عالميًا يضعفنا ويضعف تلك الدول بشكل متساوي. وبذل الجهد في خلق التكاتف العالمي في الدول المعنية بقضيتنا ودعم محاولات تغيير النظام في دول أخرى لا تزال تحت أي شكل من أشكال الإستعمار، سيعطي بالضرورة هذه الدوائر الوحدوية قيمة أكبر ووزنًا سياسيًا أكبر في السياسة الدولية.

ثالثًا، إن الحديث عن دول تحمل قضية قد يؤدي بنا الى تناقض جذري مع مبادئ الديمقراطية الليبرالية، وهنا تنشأ الحاجة إلى وعي متفوّق يتمكن من السير على حبل دقيق بين السقوط في توتاليتارية النظام من جهة، والسقوط في الاستسلام لهيمنة الغرب، ويتطلب مراجعة نقدية دقيقة وبحث علمي عميق يرتبط بالفعل السياسي.

رابعًا، من النقطة السابقة يجدر بنا الإنتباه للربط بين البحث السياسي والفكر السياسي النظري والفعل السياسي على أرض الواقع. هل استطاعت ثورة الضباط الأحرار أن تعتمد السياسة النظرية أساسًا لحراكها أم مجرّد محرك عاطفي ومرجعية في الأوقات الحرجة؟ هل تأسست الثورة على أعمدة الفكر السياسي، وهل يمكن الحديث عن فكر سياسي دون مساحة حوار وجدلية من غير المنطقي أن تلتزم حدودًا، وبالتالي قد تصطدم بالمشكلة المطروحة في النقطة السابقة؟

خامسًا، إن موضوع الربط بين الفكر والممارسة يقودنا بالضرورة للتذكير بأن الثورة هي أولًا وأخيرًا ثورة ضباط، أي ثورة ولدت في رحم الجيش. وهنا علينا نحن اليوم أن نطرح أسئلة كثيرة حول دور الجيش في السياسة، وكيف يمكن أن نربط بين الجيش والفكر، إعتمادًا على ما جاء في النقطة السابقة، هذا أولًا، وثانيًا، أن نسأل ونلاحظ ما هو حال الجيوش العربية اليوم، ولا نتحدث عن عتادها العسكري وإمكانياتها القتالية، بل عن نوعية القوى البشرية في الجيش، عن مدى وعيها وقدراتها وكيف يتم اختيارها وتجنيدها وما هي العملية التي تمر بها لنحصل على ما لدينا اليوم من ضباط وجنود مستسلمين ومقتنعين بالأنظمة القائمة.

سادسًا، وربما هذا هو السؤال الأهم الذي يجمع معظم ما ورد حتى الآن، هو وقوفنا أمام الخيارات الممكنة، وخاصةً بين الثورة-الإنقلاب وبين الإصلاح ونظرياته. إن السؤال الذي ينتصب أمامنا هو سؤال الواقعية من جهة، وسؤال الرهانات الخاسرة من جهة أخرى. سؤال التضحيات من جهة، وسؤال نهاية صناعة التاريخ من جهة أخرى. سؤال النتائج والإحتمالات، الوهم والواقعية، التحدي وتبرير الهزيمة. إن السؤال بين الثورة-الإنقلاب وبين الإصلاح سؤال لا بد منه، إلا أن سلبيات إختيار أحد الطرفين، أفضل ألف مرة من تجاهل السؤال والهروب من مواجهة القضية الجوهرية: التخلّص من أشكال الإستعمار المختلفة عبر تغيير الأنظمة القائمة، وتحرير الناس.

هناك تعليق واحد:

  1. الأنظمة و آخد كمثال المغرب استفادة بدورها من درس ثورة الضباط الأحرار و صار الجيش و ضباطه ليس الا مجموعة مناييك بعطوا طيزهم للنظام. في هذا البلد لم يترك الاستعمار و الحكم الحالي بعده مجالا لا لفكر سياسي و لا لعمل سياسي( الأحزاب فلم هندي )فاذا كان سيحدث شيء فسيأتي من شعب عاف الله رح يصير يتقاتل مع حالو. و النص كان سيكون في محله في عالم ميثالي. 

    ردحذف