القول الفصل

القول الفصل

السبت، 24 سبتمبر 2011

يمكن لو...

كان كثير بضحّك أحضر فلم نادين لبكي الجديد "هلأ لوين" أثناء سفري إلى فرنسا، كثير محرج إنك تضحك على النكت الي ولا فرنسي فاهمها، وتصفي عم تضحك لحالك والقاعة بتتطلع عليك. كان كثير بضحك اني بحكي مع فتوش واحنا الطعين والزملاء المشاهدين يسمعونا نحكي عربي مش جزائري ولا مغربي ولا تونسي، لأ، عربي زي الي بالفلم! كان ببساطة ممكن اقنعهن إني مساعد منتج، ربما. اه عفكرة، سمعت انه فراس ابن خالتي بده يصير مساعد مخرج، عقبال العايزين.  


"يمكن لو.." أغنية جميلة، من فيلم جيّد (بالتقريب). "هلأ لوين؟" فيلم نادين لبكي الجديد، شاهدته اثناء زيارتي لفرنسا الأبية، محبيتوش كثير، كنت بدي أكتب ليش محبيتوش، بس بعدين قالولي انه يمكن يوخذ أوسكار، قلت خليني بإحترامي. 


أغنية، جميلة، جداً، جزيلاً. 

معرفتكش.

كأنّ الأمر قد انتهى…


كأنّ الأمر قد انتهى. كان الأمر مثل إبرة تخترق الجسد، تنفث محتواها وتخرج. كان الأمر سهلاً، إنهم يعلنون دولةً، كان الأمر بسيطاً، وانتهى. تقدمنا بطلب لتحقيق أحلامنا، هكذا، ببساطة، تقدم طلب لتحقيق أحلامنا في الأمم المتحدة، والناس هناك، في فلسطين التي أُعلنت، يصفقون أمام الشاشة الكبيرة. من الجميل أن نرى الفلسطينيين يحققون أحلامهم، ليتني كنت فلسطينياً أيضاً.
كأن الأمر قد انتهى، نحن الذين أنهيناه. انقطع البث من قاعة الأمم المتحدة وأنا لا أريد أن أعرف ما الذي يحدث هناك بعد انقطاع البث، أنا لا يهمني الآن أن يبقى التلفزيون مفتوحاً أم يُغلق، لماذا أقلق؟ لماذا أسمع الأخبار؟ لقد انتهى كل شيء، صار هنالك دولة فلسطين، وقدّم رئيسها، بصفته “رئيس دولة فلسطين” طلب للاعتراف بها، لقد صارت فلسطين دولة، هكذا، خلال شهر دبلوماسي مكثف، واعترف العالم تصفيقاً، بأننا نستحقها، انسوا الفيتو الأمريكي، ليس هنالك فيتو في التصفيق، لقد اعترف العالم بنا تصفيقا، وهذا ما يهم في الأمر، أن العالم عرف واعترف أن الأمر قد انتهى.
كأنّ الأمر قد انتهى، هذا العلم القبيح المقرف الملوّن بألوان داكنة ثقيلة، صار علم آخر بين أعلام الدولة، علم دولة هي ليست لي. كان الزمن المنصرم زمانًا عشت فيه لأجل شيء ما، وها هو الآن انتهى على الشاشة، لقد سرد رئيس الدولة تاريخنا، وتنازل عمّا يريد منه، وطالب بما يريد، وأنا أمام الشاشة أمضغ كل شيء كان لي وكوّنني في هذا الوطن الحلم، ثم أضعه في مؤخرتي. هل تحلمون بفلسطين؟ ضعوا الأحلام في مؤخراتكم!
لقد ذهب الجميع مع رئيس الدولة إلى نيويورك، الجميع على الإطلاق. ذهبت الجبهة الشعبية التي أضاءت أحلام الشباب الماركسية، وذهبت حماس التي بقينا نتمسك بها كما تبقى من مقاومة مسلحة. ذهبوا الجميع إلى هناك، ذهبوا الجميع إلى النهاية. وذهب الحزب الذي فيه كبرت، وذهب معه رفاقي الذين ماتوا وهم يلهثون وراء قيادة قوّادين يتاجرون بمؤخراتهم.
ما المنطق يا شهداء أكتوبر، مثلاً، من إحياء ذكراكم، بوسعكم أنت تموتوا الآن، فقد تمّت المهمة. ما المنطق يا ابن عين الحلوة؟ اذهب وادفن جدّك أو أباك، وهم أحياء، كل شيء قد انتهى، فجد لك مكانًا في البلاد، لا مكان تعود إليه.
عارنا، نحن، أننا نبحث عن “حقٍ كامل”، يا رئيس الدولة. وعارنا أننا لا زلنا نميّز بين السياسة والتجارة. عارنا أننا لا زلنا نستطيع نفكّر ونحلم في الوقت ذاته. عارنا أننا نطرح دائماً السؤال: “ما الذي كان سيقوله ناجي العلي عن هذا؟” لكنّ ناجي العلي مات. ونحن أيضاً، علينا أن نموت، فإن كل شيء قد انتهى.

الخميس، 22 سبتمبر 2011

حظ أعثر..

هذا اليوم كان أنحس يوم ممكن يكون موجود على وجه البسيطة. يحرق الله.
مفروض أروح على القُدس عشان أوصّل الباسبورت لحدا، وأعمل شغلة بالمكتبة..
أنا بدي أطلع من البيت، وإذ بتذكر انه انا معي الفيزا عشان اسحب مصاري، بس معيش مصاري اوصل ع المحطة المركزية الي بدي اسحب منها مصاري وأسحب ع القدس! بفتّش دار كاملة، بلاقي بالزبط خمسة شيكل ونص، عملياً ناقصني شيكل واحد، وفش!
قلت مش مهم، بلحق الباص الي بعده ع رواق، كمان ساعة ونص...  بتذكّر انه لازم اخذ الباسبورت، منيح الي مطلعتش ونسيته، بتذكّر إني ناسي وين حطيت الباسبورت. أيها الأخوة الأعزاء؛ ساعة وربع تفتيش على الباسبورت!!!! فش باسبورت.
في جارور واحد فتّشت فيه لحاله عشرين دقيقة، وفش، بعد نهاية التفتيش قررت: خلص، مش راح ألاقيه، بدوّر ع رواق بالليل، وبروح بكرا.  فجأة بعد عشر دقايق بتروّح الوالدة، إمي، عليها الصلاة والسلام، بتفتح الجارور (نفسه الي دورت فيه ثلث ساعة) وخلال دقيقة وعشرين ثانية بتطلع الباسبورت! طبعاً منتقاتل شي خمس-ست دقايق بكون الباص الي بعده صار طاير، مدوّر، وبطريقه لبيت المقدف.
بتعصبن، بقرر انه هذا يوم نحس ومش لازم أطلع، بكون مفكر انه الباص الي بعده كمان ساعة ونص-ساعتين!!
امي بتسألني: "أخليلك مصاري للتاكسي؟"
أنا بجاوب بكل الجفاصة إلي بالدنيا: "لأ، بديش اطلع، الباص كمان ساعتين شو وينتى بدي أوصل ع القدس. بديش اروح ع محل."
امي بتجاوب: "بلاش، انا طالعة ع الشغل."  وبتروح.
انا بتعصبن وبقرر افش غلّي بحدا على الجيميل، بضوي الشاشة بلاقي قائمة مواعيد الباص مفتوحة، إلي ربك وإلكم رب، الباص الجاي كمان 25 دقيقة!!! يعني اذا بطلع بهاي اللحظة المعطاة انا بقدر الحقه، بس وين. ما انا تجافصت وقلت بديش مصاري. كمان دور فش فراطة لتاكسي يوصلني ع المركزية!
بستسلم، بقول خلص، هذا اليوم مش إلي، لازم أنام. شوي، بدق ورد، أخوي، الصغير، مش كثير صغير، ع الباب. بفتح الباب، بسأله اذا في معه مصاري، فراطة، للتاكسي بلكي لحقت الباص إلي كمان ساعة، بقول انه معوش ولا شيكل، بس يمكن في بجزدانه. وين جزدانك ورد؟ بالمطبخ. يلعن الله انا كيف من الصبح مدورتش بالمطبخ؟!!! اخذت من ورد آخر خمسة شيكل كانوا معه وطلعت وقف بشارع هغيفن. للمعلومة، كل التاكسيات إلي بتروح على المحطة المركزية فش عندها ولا أي إمكانية ثانية غير انها تمرق من هذا الشارع. استنيت نص ساعة كاملة، مرقوا 6 تاكسيات وولا واحدة كان فيها محل!!! ولا واحدة!
بعد نص ساعة مرقت تاكسي، طلعت بالتاكسي، دفعت المصاري، قعدت. وصلت المحطة المر كزية مستعجل. طلعت على درج الكهربا، لابس شحويطة طبعاً، وانا مش منتبه بتقوم الشحويطة بتعلق بزاوية الدرج وإصبع إجري بنمعس، ولولا سحبته بعد ثانية كان انقطع.
دم، وجع وعم بعرج، بركض ع الصراف الآلي المعروف بإسمه العربي كاسبومات. بفتح الشنطة وبكتشف إني ناسي كرت الفيزا بالبيت!!!!!
بكفر، بسب، بتعصبن، من الاعصاب بنسى إجري الي عم بتسيل دم بالمحطة المركزية أمام الصبايا السكسي المروّحات من البحر. وبقول لحالي بعد مأخذت نفس: خلص انا لازم أروّح، ممنوع أطلع اليوم من البيت!
بعدين بتذكّر، انه ناقصنا ثنين شيكل وأربعين أغورة عشان أقدر أروّح.
اتصلت بربيع يجي يوخذني من المحطة: السيارة خربانة.
اتصلت بأبوي: رايح مع صاحبه ع طمرة الزعبية!!!! حدا بروح ع طمرة الزعبية يا زلمة!!؟؟؟
اتصلت بدينا: مش بالبلد.
اتصلت رنا: السيارة خربانة.
اتصلت بمطانس: بس كمان نص ساعة بتكون معي السيارة.


قلت لمطانس يرنلي بس يوصل، بستنى، نص ساعة نص ساعة، علماً انه اذا قررت اروح مشي أكيد أكيد أكيد كنت رح اندهس ع الطريق.


قلت الأربعة شيكل الي بقيوا معي شو بدي أساوي فيهم؟ رحت على هاي الماكنة اللعبة إلي بتطلع فيها دبب! لعبت أربع مرات، بالأربع مرات مسكت الدب، وسانتيمتر واحد قبل ميوصل الجورة، عشان أربحه، يوقع! فاك!


زهقت بالآخر وانا استنى مطانس، قررت العب ع اللعبة الي مبارح كل الليل وانا احاول اعمل فيها الأتشيفمينت الأخير، وغفيت بلا مأخلصها. خسرت تني قلت التوبة، آخر مرة لعبة، كان ناقصني 5 كوينز من 2500 عشان أخلّص اللعبة. ساعتها رن التلفون، وخسرت. فتحت الخط أقاتل مش عارف مين الخرا الي بعصلي اللعبة ولا الخرا برد على التلفون: "مطانس بحكي، مش تلفوني هاد، إطلع احنا منستناك برّا!."

الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

خبئيني أتى.. السفر

غداً، الخميس، صباحاً- سأطير إلى فرنسا. أعرف أنني إن قلت أني سأطير إلى "باريس" أو إلى "مارسيليا" سأبدو أكثر تمكناً من السفر، إنني من ركّاب المدن. وأنا، لست كذلك.


الليلة قبل الأخيرة التي أنامها في البيت، للتوضيح فقط، سأغيب لأسبوعين لا أكثر، لكني خائف. هل أنا جبان إلى هذا الحدّ؟ أنا لا أخاف من الطائرات، ولا من العلو، ولا ترهبني فكرة أن تسقط أو تتفجر الطائرة بي.


لكني أخاف أن أبتعد. أنا أخاف من المدن الكبيرة. هناك شيء ما متعب في هذه المدن، هنالك تاريخ وأساطير وحروب وثورات وتحوّلات تاريخية، إنها مدن لها مكان في التاريخ الذي يتعلمه أطفال المدارس، لا الذي يبحث فيه المؤرخين المملين الذين لا يجدون أطروحة للدكتوراة غير تاريخ سخيف لبلدات أسخف.


أنا لا أستطيع أن أبتعد عن حيفا، أسكن في القدس ولا أسكن، أتعلم ما استطعت ثم أهرب قبل أن أموت حزناً بثوانٍ قليلة، إلى حيفا. كل شيء هنا أبسط، رواق، نحن لا نحاول أن نجعل من مدينتنا شيئاً، نحن لا نريد أن ندّعي أنها كانت هذا وذاك، نحن نريد فقط أن تتركونا بهدوئنا، أن تتركونا على رواق، لا نستعجل لشرب القهوة قبل الصودا.


نحن هنا أبرياء، نحن نحطّم دون قصد، ونكذب دون نيّة سيئة، ونخون دون سبق الإصرار والترصد. نحن ننم على بعضنا حين نملّ فقط، ونتحرش جنسياً لأننا لا نودّ إمضاء الليلة وحدنا في السرير، نحن، في حيفا، نخاف من العتمة. الماكرون في حيفا أغبياء، والأغنياء في حيفا ملطّات. الصيادون في حيفا لا يصيدون أكثر مما يحتاجون، نحن لا نطمع بشيء كغيرنا. هذه البلد المسالمة التي تستطيع أن ترتاح فيها بعد كل معركة تلعن فيها طعريس أخت أحسن رأس في البلد، حيفا تتقبل العداوة برحابة صدر، نحن، نحب أعداءنا، لأنهم أعداءنا، ونحبهم أن يبقوا أعداءنا دون الحاجة للدم اليومي، ولا للنفاق اليومي، ولا للتنازلات التاريخية، نحن أعداء ونعرف، لماذا لنا أن نشغل أنفسنا بتفاصيل هذه العداوة؟ كأننا نستطيع أن نغيّر فيها شيئاً. نحن واليهود في حيفا، نعرف أننا في يوم الحسم، نحن نحن، وهم هم، وواحد منّا سينتصر على الآخر، ولكن لماذا الاستعجال؟ فلنشرب الجعة في بارات اليهود في الكرمل، ونخرج دون أن ندفع الحساب.


أنا لا أستطيع ترك حيفا، هذا التنازل تاريخي، لا حاجة للجعجعة الفارغة في ذهنك، عزيزي القارئ، ليس للأمر علاقة بالنكبة، ولا بالبقاء في الوطن. لست حيفاوياً أصلا، أنا من البروة، ولا يهمني (ما دام يوم الحسم لم يأتِ) أن أخرج من سلوان، هؤلاء الذين يقاتلون الاستيطان في سلوان ولا يقاتلون ضده في عسقلان هم أعداءنا الذين فعلاً، بودي أن أرميهم في البحر.


انا لا أستطيع أن أترك حيفا لأني بحاجة لمكانٍ ما، واحد، في هذا العالم، أمارس في مودّتي للخلق. أنا لا أحب الشتائم، ولا أحب الهجوم، ولكني لا أستطيع أن أمتلك نفسي في كل مكان خارج هذا المكان.


أنا لا أريد أن أبتعد عن الخصر الذي أولد منه في كل لقاء، أنا لا أريد أن أبتعد عن همس الصباحات اللذيذة. عن الانفجار المرن، عن حبٍ يعرف الطرق في حيفا مثلما يعرفها إليّ؛ نحن نذهب في هذه المدينة، ولا نعود أبداً.


أنا لا أريد أن أترك حيفا لأني أخاف، على نكتة عابرة في ليلة الخميس، على صبية كان يمكن أن تُحرجني أمام الأصدقاء. أنا أخاف على عرس صديقتي التي لا أصدق انها فعلاً ستتجوز. أنا أخاف أن ينظم "الشباب" حفلة من دوني. أنا أخاف أن ينفجر شجار يهز الحي دون أن أقف عند النافذة وأضحك. أنا أخاف من أن يموت أحد الأصدقاء.. أو أحد الذين لا أعرفهم، دون أن أعرف أني لم أكن أعرفه من قبل.


أنا خائف، أنا لا استطيع الابتعاد عن حيفا كثيراً.
وأنا سعيد، لأنني خائف. أنا سعيد لأنني أعيد النشوة بقيمة الأشياء كلما شارفت على الابتعاد. وأنا سعيد لأنني أعرف كيف أبكي حيفا مبتسماً لملاقاة أحلامي الجميلة الصغيرة، في المدن الكبيرة.