القول الفصل

القول الفصل

الأحد، 6 يونيو 2010

هذيان في الموت والكلمة


إذًا، فمن الطبيعي أن يرتبط إزدهار حرية التعبير بإزدهار الحق بالحياة، أو لنقل، أن يرتبط إزدهار وهم حرية التعبير بإزدهار وهم الحق بالحياة.

إن مشروع الكلمة (نقصد بالكلمة: التعبير، الكتابة، الموقف، الفكرة والأيديولوجيا بالضرورة.) لا بد أن يكون مشروعًا تخليديًا للذات المكتوبة. وبالتالي، فالكلمة بحاجة دائمة إلى مصدر شرعية ومصداقية يخلّدها، يحافظ عليها ويجعلها واقعًا يشغل حيزًا في التاريخ.

وفي هذا السياق، فإن مصداقية الكلمة تُشتق من منظومة حضارية مرتبطة بالوقت والمكان والمؤسسة وعلاقة المؤلّف بكل هذه العوامل. إذًا، إنه حوار مستمر وقاتل بين المؤلف والمنظومة المذكورة مبني على أساس المحاسبة المتبادلة بين الطرفين يعتزم فيها الطرفان القضاء على الآخر. فيعمل المؤلّف على تغيير هذه المنظومة دفاعًا عن إعتقاداته المُنطلقة من إنسانيته، أي أنه يعمل على القضاء على شكل المنظومة الحالي لأجل تحويلها إلى شكلٍ آخر بما يتلائم مع إعتقاداته النابعة من إنسانيته. وفي الوقت ذاته تعمل المؤسسة على تغيير المؤلف دفاعًا عن إعتقاداتها كمنظومة، وذلك عبر عقابه (بالقتل أو بالسجن، أو بمحاصرة نطاقه الإجتماعي -الذي يمكن ان تبحر في كلمته- عبر الماكنة الإعلامية كما هو الحال في "الديمقراطيات"، هذه كلها أشكال للعقاب الهادف لطمس الكلمة).

وبالفعل، في هذه النقطة بالذات ينشأ صراع القوة: من يتسطيع مواجهة الإعلام وينصر كلمته، من يستطيع تحطيم القيود وينصر كلمته، من يستطيع مواجهة القتل وينصر كلمته، هو المنتصر. وشكل المواجهة ليس موضع النقاش، إلا ان ما يجدر بنا نقاشه هو الإحتفاظ بالـ"موت" كإحتمال خيار مواجهة يُكسب الكلمة مصادقيتها الخالدة.

إن حرية التعبير المرتبطة بتقديس الحق بالحياة هي تكريس للثرثرة عديمة مصادر المصداقية المخلِّدة، لأنها تتُحدد مُسبقًا خيارات المواجهة.

إن إتساع مساحة تداول الكلمة مصدرها إتساع خيارات المواجهة من أجل تثبيت الكلمة وتحويلها الى منظومة. ومصداقية الكلمة نابعة بالضرورة من استعمال خيارات المواجهة، فإما تثبيت الكلمة (إلى أن تصبح منظومة ويتم تغييرها مرة أخرى)، أو التضحية الخالصة.

حرية التعبير فارغة المضمون إن لم تخاطر بالحق بالحياة لأجل تحويل "التعبير" إلى واقع.

نلخص:
إن هزيمة عهد الأيديولوجيّات نابع بالضرورة من منظومة وعي تقلّص عظمة التضحيات وتُفقد الموت قيمته الملحمية.

الأيديولوجيا التي يمكن أن تعيد لنفسها الإعتبار والقيمة، إنما هي الأيديولوجيا القادرة على ترسيخ فكرة التضحية وبالتالي، تمجيد قيمة الإستشهاد.

هناك تعليقان (2):

  1. يعني شنصك اني بتفاهم معك بالتخاطر (تليباتيا) ولا كان الله ما غدر يترجملي شو بدك من الله تاع العالم. عفكرة شو بدك من الله تاع العالم؟
    نصيحة لوجهه: اكتب مفهوم بسيط.. لأن هدا الأسلوب لفئة محددة جدا من الناس.
    عامة، أنا بحب كتاباتك وبعتبرك من أذكياء العصر
    سلام

    التنّين

    ردحذف
  2. رائع بكل المقاييس

    ردحذف