"أيام حزينة" لأبجورن لونفيج |
مجد كيّال
لم نستيقظ في ساعةٍ باكرة، كانت ليلة الأمس ليلة طويلة قضيناها معًا. كنّا في سهرةٍ لم ترق له، ثم انسحبنا وعُدنا إلى غرفتي، معًا. قرأنا ترجمةً جديدة لرواية فولتير- كنديد. خرج لبرهة من الغرفة ليتيح لي أن أتكلم، براحتي، عبر الهاتف النقّال.
عاد وتابعنا القراءة، قرأنا قصة الآنسة كونغوند في الفصل الثامن والتاسع والعاشر، ثم بدأ يغفو فاحتضنته ونمت. لقد نام نومًا وديعًا، بعكس الأرق الذي مرّ بي، مثل كل يوم، ليستأصل الأحلام.
استيقظنا، هو استيقظ قبلي، وأيقظني بثلاث قبلاتٍ على وجنتاي وجبيني. ثم فتح الشبّاك لتدخل الشمس وسألني إن لم أشتر، مثل كل يوم، كيس قهوة. قُمنا، جلسنا على حافة السرير. قُمنا إلى المغسلة. غرق وجهانا بالماء. نظرنا إلى المرآة ثم نظرنا واحد إلى الآخر. نظّفنا أسناننا. ثم أخذنا المنشفة الزرقاء وجففنا وجهنا وشعرنا الأسود، الأسود. لبسنا البنطلون الرمادي والبلوزة الحمراء فوقها الجارزة السوداء، بالمقلوب. والأرض الجارزة- بالمعاجم- اليابسة الغليظة إذ تكتنفها الرمال...
خرجنا، جلسنا لنشرب القهوة في المقهى القريب من الجامعة حيث ينادون إسمك بمكبرات الصوت لتأخذ قهوتك. أنا حاولت عدّ أزهار الصفّير المتاخمة للرصيف المقابل، هو قلب الجريدة العبريّة على ظهرها، في هذه الأثناء لمحت على الصفحة الرئيسية صورة لحربٍ تقول الجريدة أننا نحن فيها المجرمون. ثم أخذ يُترجم، مثل كل يوم، قصيدة قصيرة لإيميلي ديكنسون على ظهر الصحيفة: "من سرق الغابات، غابات الثقة؟"
ثم مشينا معًا، أنا وهو، إلى الجامعة، حيث يعلّمون أشياءً كثيرة، نظرت إليه نظر إليّ وتثاءبنا...
-ستحضر المحاضرة؟
-ما رأيك؟
-ما موضوعها؟
-عن الزمن..
-وهل تظنني سأمضي مع الزمن؟
-لا، بالطبع لا...
-إذهب إذن، سأنتظرك في المقهى إياه...
ثم ذهبنا، انا والحزن كلٌ في طريق.
ما ان اقتربت إلى قاعة المحاضرة حتى سمعت مكبرات الصوت في المقهى تنادي إسمه، لقد طلب قهوةً.
عُدت إلى المقهى، حين دخلت وجدته قد طلب فنجانين، كان يعرف أن المحاضرين اعلنوا إضرابًا عن التعليم. مدّ لي علبة سجائره فذكّرته أني من غير المدخنين. "ستتغيّر..." قالي لي
"مع الزمن؟" سألت.
"لا، مع المكان..."
ثم تجلت فوق القدس شمسٌ ساطعة، فابتسم لي، صديقي الحُزن، ثم قام، لبسنا معطفنا الخفيف وسرنا نحو حيفا.
ما أجمل صديقك. ما أعذبك. (ماتيلدا)
ردحذف