الرسالة السادسة إلى ويليام
لا عزيزي ولا بلّوط، هل تآمرت معها عليّ يا ويليام، مش عيب؟
لقد أرادت ونوَت وخططت للتخلص مني منذ البداية، منذ ذلك اليوم الثقيل الملعون حين تعرّت في الغرفة وقذفت أوراقها تلك أمامي. قالت: "لن أعود إلى سريرك إلا حين تنجزها"، وخرجت.. لقد قالت ذلك بصوتها، نعم، كان لها في تلك الأيام صوتًا رقيقًا متحديًا فيه شيء من الحفيف. لقد كنت صغير السنّ يا ويليام تحوم بدراجتك الهوائية حول المسرح الجوّال في القرية، هل يمكن أن تكون في ذلك السنّ الصغير قد اطلعت على نواياها واشتركت بهذه الجريمة الحقيرة؟ هل هذا ما أستحقه يا ويليام عقابًا على ذنب حبّي الكبير؟
لعلها خدعتك يا ويليام؟ لعلها لم تخبرك الحقيقة حول ما كتبته؟ في تلك الأيّام يا ويليام لم تكن قد تعلّمت القراءة ولا الكتابة. أكاد أنسى، هل تعرف القراءة الآن؟ ها؟ أعرف أنك تعرف الكتابة، فقد تركت وصيّتك مخطوطة، وها أنا الآن أكتب بلغة نصوصك، لكني أسأل عن القراءة. أعرف أن سؤالي يبدو لك غريبًا، لكنك منذ رحلت يا ويليام ظهر في القرية أشخاص كثر يكتبون بإصرارٍ يوميّ دون أن يعرفوا فك الحرف.
كانت تعرف أن حبي العملاق لها سيدفع بي لإطاعة الأوامر المنصوصة في الورق الذي عكفت على كتابته منذ أيام، منذ وصل المسرح إلى القرية، فقررت أن تقتلني بهذه المهمة المستحيلة. كنت أعرف أنها تخبئ مودةً كبيرة للمسرح والتمثيل، لكني كنت أتجنب الحديث بهذا الشأن (في الأيام القديمة، حين كنّا نتحدث)، فقد كنت في ذلك الوقت مشغولاً بالحفاظ على بنية جسدي، وكل ما كنت أعرفه عن المسرح هو مسرحية واحدة لعادل إمام شاهدتها في الخارج، قبل أن أعود إلى البلاد.
لكنّي قلت سأفعل لكي أستعيدها. في تلك الليلة بدأت أقرأ ما في الورق، لكني قبل أن أصل المشهد الذي يضع فيه البطل الكرسي الخشبي وسط المسرح، قطعني صوت تأوهاتها؛ كأن اللذة حين تولد من الألم في ساحة البيت تقبض على طرف شراشف الليل المعتمة وتدور فيه حول بيتنا البارد.
ثم سمعت باب غرفتك ينفتح، ثم باب البيت، ثم تملّص شرشف الليل من القبضة لثوانٍ قليلة تعرّى فيها بيتنا على حقيقته الباردة.
ثم عاد الصوت يقطّع حياتي إربًا.. إربًا.. إربًا.
هل تآمرت معها يا ويليام؟
لقد كنت مستعدًا لأن أبيد الجليل وأهله من أجلها، فماذا أرادت أكثر من ذلك؟ ألا يكفي؟ ماذا تريد المرأة يا ويليام أكثر من رجلٍ يستطيع حمايتها؟
لست ممثلاً، لكنها راهنت على الشغف أن يتوكّل بقتلي. أنت تعيدني إلى الحياة من بدايتها، وهي تُنهي الحياة في كلّ لحظة. تلعبون بي، لا حيًا ولا ميتًا: إنها المؤامرة، لقد فهمتكم يا ويليام.
وتطلب منّي أن أكتب لكَ؟ كلب.
لن تقرأ منّي حرفًا واحدًا بعد اليوم.
كيف أبقى فتيًا وجميلاً - لاسلو موهولي-ناجي (1926) |
لا عزيزي ولا بلّوط، هل تآمرت معها عليّ يا ويليام، مش عيب؟
لقد أرادت ونوَت وخططت للتخلص مني منذ البداية، منذ ذلك اليوم الثقيل الملعون حين تعرّت في الغرفة وقذفت أوراقها تلك أمامي. قالت: "لن أعود إلى سريرك إلا حين تنجزها"، وخرجت.. لقد قالت ذلك بصوتها، نعم، كان لها في تلك الأيام صوتًا رقيقًا متحديًا فيه شيء من الحفيف. لقد كنت صغير السنّ يا ويليام تحوم بدراجتك الهوائية حول المسرح الجوّال في القرية، هل يمكن أن تكون في ذلك السنّ الصغير قد اطلعت على نواياها واشتركت بهذه الجريمة الحقيرة؟ هل هذا ما أستحقه يا ويليام عقابًا على ذنب حبّي الكبير؟
لعلها خدعتك يا ويليام؟ لعلها لم تخبرك الحقيقة حول ما كتبته؟ في تلك الأيّام يا ويليام لم تكن قد تعلّمت القراءة ولا الكتابة. أكاد أنسى، هل تعرف القراءة الآن؟ ها؟ أعرف أنك تعرف الكتابة، فقد تركت وصيّتك مخطوطة، وها أنا الآن أكتب بلغة نصوصك، لكني أسأل عن القراءة. أعرف أن سؤالي يبدو لك غريبًا، لكنك منذ رحلت يا ويليام ظهر في القرية أشخاص كثر يكتبون بإصرارٍ يوميّ دون أن يعرفوا فك الحرف.
كانت تعرف أن حبي العملاق لها سيدفع بي لإطاعة الأوامر المنصوصة في الورق الذي عكفت على كتابته منذ أيام، منذ وصل المسرح إلى القرية، فقررت أن تقتلني بهذه المهمة المستحيلة. كنت أعرف أنها تخبئ مودةً كبيرة للمسرح والتمثيل، لكني كنت أتجنب الحديث بهذا الشأن (في الأيام القديمة، حين كنّا نتحدث)، فقد كنت في ذلك الوقت مشغولاً بالحفاظ على بنية جسدي، وكل ما كنت أعرفه عن المسرح هو مسرحية واحدة لعادل إمام شاهدتها في الخارج، قبل أن أعود إلى البلاد.
لكنّي قلت سأفعل لكي أستعيدها. في تلك الليلة بدأت أقرأ ما في الورق، لكني قبل أن أصل المشهد الذي يضع فيه البطل الكرسي الخشبي وسط المسرح، قطعني صوت تأوهاتها؛ كأن اللذة حين تولد من الألم في ساحة البيت تقبض على طرف شراشف الليل المعتمة وتدور فيه حول بيتنا البارد.
ثم سمعت باب غرفتك ينفتح، ثم باب البيت، ثم تملّص شرشف الليل من القبضة لثوانٍ قليلة تعرّى فيها بيتنا على حقيقته الباردة.
ثم عاد الصوت يقطّع حياتي إربًا.. إربًا.. إربًا.
هل تآمرت معها يا ويليام؟
لقد كنت مستعدًا لأن أبيد الجليل وأهله من أجلها، فماذا أرادت أكثر من ذلك؟ ألا يكفي؟ ماذا تريد المرأة يا ويليام أكثر من رجلٍ يستطيع حمايتها؟
لست ممثلاً، لكنها راهنت على الشغف أن يتوكّل بقتلي. أنت تعيدني إلى الحياة من بدايتها، وهي تُنهي الحياة في كلّ لحظة. تلعبون بي، لا حيًا ولا ميتًا: إنها المؤامرة، لقد فهمتكم يا ويليام.
وتطلب منّي أن أكتب لكَ؟ كلب.
لن تقرأ منّي حرفًا واحدًا بعد اليوم.
يعني هيك خلص؟؟
ردحذف