مربع أسود - كيزمير ماليفيتش |
هيا
اضغط، شغّل الجهاز.
أنجزنا كل الترتيبات، كل ما طلبتموه، كل ما يُطلب بشكلٍ عام، فعلنا كل شيء. ربطنا الأسلاك، أصدرت تلك الشرارة وذلك الصوت وصارت جاهزةً للاستخدام.
لو تعرفون كم من الطاقة والجهد احتجنا لننتج هذا الجهاز، لنركّبه ونجعله وحدةً محكمة الصنع والإغلاق، لكي يشتغل. لو تعرفون كم اجتهدنا لنتحكم بالنتائج، لئلا تغدرنا التوقعات. عملنا بجهد، بطاقمٍ موسّع من أفضل خبراء وعلماء البلد، لنتفادى أي أخطاء، أي مزحات لا يمكن تحمّلها في هذه التجربة.
الآن اضغط.
شغّل.
سترى فجأة أن كل شيء حولك سيتحوّل إلى بياضٍ ناصع وسيختفي الجهاز، وتختفي أنت. سيبقى صوتي يناديك من كل الاتجاهات، لن تجدني، لن أجدك، لن نجد بعضنا، كل شيء سيضيع في البياض.
ثم سنسأل بصوتٍ مرتفع، أنا وأنت، ونحن لا ننظر إلى عينيّ بعضنا البعض:
ما هذا الجهاز؟ لماذا اخترعناه؟ ما الذي يفعله؟
ثم حين ننتهي من الأسئلة يبدأ البياض المُطلق بالتشظّي إلى ألوانٍ صغيرة، قطع متفرّقة تتشظّى للمزيد والمزيد من الأوان، وتبتعد عن بعضها البعض، تصغر، تتناثر في الفراغ الأسود، تضيء، مثل نجوم.
تبتعد. تصغر. تتفرق.
في مشهد منهك للعين.
إن هذا المشهد منهك للعين. نُغمض أعيننا، ثم نفتحها، لا تنفتح، أو أنها انفتحت والسواد في لحظة كان قد أكل كل شيء؟
أسود، هذا كل شيء.
من خارج المختبر كان صوتًا ينادي: هل لديك أقوال أخرى.
خرجت إليه قلت أسجّلها، وما أن بدأت بصفّ الكلام حتى نمت على الطاولة ولوحة المفاتيح. حلمت في حينها بأن أصدقائي الأعزاء جمعوا المال لي في عيد ميلادي واشتروا لي مسدسًا ملفوفًا بشريطٍ أصفر وأزرق.
عندما استيقظت، كان الوقت قد تأخر ودمي البُني يفور من رأسي إلى الطاولة، بين أزرار لوحة المفاتيح، ويسيل زاحفًا تحت باب المختبر.
وكنت أبتعد
أصغر
أتفرق.
في نصٍ منهك للعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق