يجمع، عن الأرض، شريطًا أبيض طوله أمتار عدّة، يكوّره بكفتي يديه الهائلتين ثم يرميه في سلة القش. يمسك قطعة تراب متماسكة نمى على إحدى جهاتها عشبًا، يركع على الأرض، ويعيدها إلى مكانها الذي انتُزعت منه وسط مسطّح الأرض العشبي، يحمل المكنسة ويدخل بين الجدران الشبكيّة الثلاث؛ بيته الصغير. يهذّب وردًا من لونٍ واحد في مزهرية في زاوية الشِباك اليسرى السفلى. ينقل الكرسي الهزاز يمينا ويحمل بروازًا لصورته أيام البطولة الخوالي. يقف، ظهره للأفق المحدود ووجهه للحائط الشبكي الأبيض العريض، عبر الشبك، يرى المدرّج العملاق خاليًا، لا مشجعين ولا هتافات ولا أغاني حماسية ولا شتائم، يبتسم ثم يعلّق، وسط الحائط صورةً له وهو مستعد للدفاع، ووراءه على المدرجات جموع تهتف باسمه... "كانت أيام..."
"كانت أيام... ما أجملها الآن بعد مضيها. لم أختر كل هذا، وأنا لا أحب هذا النوع من المعارك أصلًا. بالحقيقة، لم أكن أفعل شيئا غير أن أدافع عن بيتي، لم أهاجم بيتهم ولم أحاربهم على أي شيء، بالعكس، كلما صارت الكرة في ملعبي، كنت أقذفها إلى الجانب الآخر، أنا رجل يحب التخلص من المشاكل. إلا أنهم هم هاجموني، وهذا ليس فعلًا استثنائيا، إن مبادئهم تقول لهم أن مهاجمتي فرض، وهدفهم في الحياة هو اختراقي واقتحام بيتي."
في الزاوية اليسرى يحاول تحضير كأس شاي ساخن حلو، كفة يده الهائلة تعرقل محاولاته... يطلق زفيرًا، يغمض عينيه ويبتسم، ثم يخلع قفازاته الكبيرة. يخرج إلى باحة البيت، منطقة الجزاء...يمر بمحاذاة نقطة الجزاء، أم المعارك... ثم يقف عند شرفة بيته المقوّسة. يشرب الشاي وينظر إلى أفق الملعب، فيشاهد منافسه في الضفة الأخرى من الملعب، يحمّل أثاث بيته ويستعد للرحيل بعد هزيمته النكراء.
يرفع حارس المرمى ذراعه ويلوّح؛ هذه الحرب انتهت. "يمكنه البقاء...ليس مرغمًا على الرحيل" يفكّر في نفسه، إلا أنه اعتاد أن يتفوّق هتاف عشرات آلاف المشجعين على صوته، فلم يحاول أن يبعث نداءه إلى طرف الملعب الآخر. ينهي حارس المرمى كأس الشاي... يرحل المنافس إلى خارج الملعب... ولا يعود حارس المرمى إلى النوم، إلا عند خط الهدف. هذه الحرب لا تنتهي أبدًا.
أبدًا
ردحذف